وقد ذكر السيّد المرتضى رحمهالله هذا التفسير ـ في بعض كلماته ـ على شكل احتمال في إيضاح الآية المذكورة ، كما أنّ أبا الفتوح الرازي قد أورد هذا التفسير كاحتمال في تفسيره إضافةً إلى وجود إشارة إلى ذلك في تفسير الفخر الرازي في ذيل الآية (١).
٥ ـ أنّ هذا السؤال والجواب هو مع البشر بأجمعهم بلسان الحال وذلك بعد البلوغ والكمال والعقل ، فكلّ إنسان يقرّ بعد اكتمال عقله ومشاهدته لآيات الله في الآفاق والأنفس بوحدانية الله بلسان حاله ، وكأنّ الله عزوجل يسألهم بإرائة هذه الآيات : (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ)؟ فيجيبون بلسان الحال : «بلى» ، وأمّا الحديث بلسان القال فإنّ له شواهد ونظائر كثيرة.
وهذا التفسير ينقله الشيخ الطوسي رحمهالله في التبيان عن البلخي والرمّاني (٢).
٦ ـ وهو التفسير الذي اختاره العلّامة الطباطبائي رحمهالله في «الميزان» : بعد أن ذهب إلى استحالة أن يكون للبشر وجود مستقل سابقاً مقروناً بالحياة والعقل والشعور وقد أخذ الله منهم العهد على وحدانيته ثمّ أعادهم إلى حالتهم السابقة كي يجتازوا مسيرتهم الطبيعية ، وبذلك يأتون إلى الدنيا مرّتين فقال :
وأثبت بقوله : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* فَسُبحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىءٍ). (يس / ٨٢ ـ ٨٣)
وقوله : (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمحٍ بِالبَصَرِ). (القمر / ٥٠)
إنّ هذا الوجود التدريجي للأشياء ومنها الإنسان هو أمر من الله يفيضه على الشيء ويلقيه إليه بكلمة (كن) إفاضة دفعية والقاء غير تدريجي ، فلوجود هذه الأشياء وجهان ، وجه إلى الدنيا وحكمه أن يحصل بالخروج من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، ومن العدم إلى الوجود شيئاً فشيئاً ويظهر ناقصاً ثمّ لا يزال يتكامل حتّى يفنى ويرجع إلى ربّه ، ووجه إلى الله سبحانه وهو بحسب هذا الوجه امور تدريجية وكلّ ما لها فهو لها في أوّل وجودها من غير أن تحتمل قوّة تسوقها إلى الفعل ... وبعبارة اخرى : أنّ الموجودات لها نوعان من
__________________
(١) تفسير روح الجنان ، ج ٥ ، ص ٣٢٦.
(٢) تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ٢٧ (وفي تفسير المنار ج ٩ ، ص ٣٨٦ تعبير يقرب من هذا المعنى).