الوجود ، الأوّل : الوجود الجمعي عند الله تعالى والذي يعبّر عنه القرآن الكريم بالملكوت ، والآخر : الوجودات المتناثرة التي تظهر تدريجياً بمرور الزمان.
وبهذا تكون حياة الإنسان في الدنيا مسبوقة بحياة إنسانية اخرى لا يكون فيها أحد محجوباً عن الله تعالى ، وقد شاهده هناك كلُّ موجود بالشهود الباطني وأقرّ بربوبيته.
ثمّ يضيف رحمهالله : لو دقّقنا في الآيات الآنفة الذكر لرأينا أنّها تشير إلى هذا المعنى.
بعد اتّضاح التفاسير الستّة بصورة إجمالية نشرع بدراستها ونقدها :
القول الأوّل هو أضعف الأقوال لدى الكثير من المحقّقين ، ووجّهوا إليه أغلب الإشكالات ، حيث أشكل عليه الطبرسي في «مجمع البيان» والسيّد المرتضى ـ كما نقله العلّامة المجلسي رحمهالله في مرآة العقول ـ كما أنّ الفخر الرازي أورد ١٢ إشكالاً على هذا القول! غير أنّ بعضها ليس جديراً بالإهتمام وبعضها مكرّر أو قابل للإندماج مع غيره ، وبصورة عامّة تتوجّه خمسة إشكالات إلى هذا القول :
أ) إنَّ هذا التفسير لا ينسجم مع كلمة (بني آدم) أبداً ، وكذلك مع ضمائر الجمع في الآية ، وكلّها تتحدّث عن بني آدم لا آدم نفسه ، كما لا يتطابق مع لفظة (ظهور) جمع (ظهر) ، والخلاصة هي أنّ الآية تقول : إنّ (الذرّية) ظهرت من ظهور (بني آدم) لا من ظهر (آدم) ، في حين أنّ الروايات تدور حول نفس آدم.
ب) لو صحّ أخذ مثل هذا العهد الصريح في عالم سابق لهذا العالم فكيف يعقل نسيان ذلك من قبل البشر بأجمعهم؟! وهذا النسيان العام دليل على استبعاد هذا التفسير ، لأنّ المستفاد من الآيات القرآنية هو أنّ البشر لا ينسون حوادث الدنيا حين تقوم الساعة ولهم حوار بشأنها غالباً ، فهل الفاصل الزمني بين عالم الذرّ والدنيا هو أكثر من الفترة بين الدنيا والآخرة؟
ج) لو سلّمنا ـ فرضاً ـ بأنّ هذا النسيان العام يمكن تبريره بالنسبة لعالم الذرّ ، ولكن النتيجة هي علّية هذا العهد ، لأنّه يكون مؤثّراً حينما يتذكّره الناس ، أمّا ما ينساه كافّة البشر