والذين من قبلنا : هم المؤمنون في كل شريعة ، المتبعون ما أنزله الله منها ، وتوبة الله على عبده : هي رجوعه به عن المعاصي إلى الطاعات ، وتوفيقه له ، ثم كرر الله إظهار إرادته التوبة على عباده لتأكيد الإخبار الأوّل ، وقدمت إرادة الله توطئة مظهرة لفساد إرادة متبعي الشهوات ، يريد الله أن يتوب على عباده ـ وهذا تفضل ورحمة منه ـ يتوب عليهم بما كلفهم به من الأعمال التي تطهرهم وتزكي نفوسهم ، فيتوب الله عليهم بعد هذا ، وأما المفسدون فلا يتوب الله عليهم لإصرارهم على الإفساد ، فهؤلاء المفسدون مبتغو الشهوات الذين يجرون وراءها إنما يريدون بالإضافة لإفساد نفوسهم إفساد المؤمنين الصالحين ، يريدون أن يميلوا معهم ميلا عظيما ، لأن مرتكب الإثم يهمه جدا ويحرص أن يشاركه غيره في فساده ، إرضاء لنفسه وتستيرا عليها ، واطمئنانا لسلوكها.
يريد الله أيضا من بيان أحكام التشريع في قضايا الزواج وغيرها التخفيف والتيسير على عباده ، وبيان كون هذه الشريعة سمحة سهلة لا مشقة ولا ضيق ولا حرج في أحكامها ، لقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ..) [الحج : ٢٢ / ٧٨]. وبيان التخفيف والسماحة أمر ضروري في أمور الزواج ، قال طاوس : ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء.
لذا أراد الله تعالى أن يبين سبب هذا التخفيف وهو أن الإنسان خلق ضعيفا عن مقاومة الشهوات ، والتأثر بإغراءات النساء ، وهذا مقصد تشريعي عام في الإسلام ، فإن هذه الشريعة قامت على مبدأ التخفيف والتيسير والبعد عن المشقة والمضايقة ، والله تعالى بكرمه خفف عن عباده ، وجعل الدين يسرا سمحا سهلا ، ولم يجعله ضيقا حرجا ، وضعف الإنسان ناشئ عن ضعف نفسه ، ولأن هواه يستميله في الأغلب ، لذا راعى التشريع هذا الضعف ويسّر الصعب ، وشرع السهل.