من الأصنام والشمس والقمر والكواكب لا يصح أن تكون إلها ، لأنها حادثة ، فوراءها محدث أحدثها ، وصانع أوجدها.
ثم أوضح الله تعالى ما رآه إبراهيم من ملكوت السماوات والأرض ، أي تبيان وجه الدلالة في خلقهما على وحدانية الله في ملكه وخلقه ، فلما أظلم عليه الليل ، رأى كوكبا عظيما متميّزا عن سائر الكواكب بإشراقه ولمعانه ، وهو كوكب المشتري أو الزهرة ، فقال موهما قومه في مقام المناظرة والحجاج : هذا ربّي ، على سبيل الفرض ، فلما غرب هذا الكوكب ، قال إبراهيم : ما هذا بإله ، ولا أحب ما يغيب ويختفي ؛ لأن للإله السيطرة على الكون ، فكيف يغيب الإله ويستتر؟
ثم انتقل إبراهيم من إبطال ألوهية الكوكب إلى إبطال ألوهية القمر الأكثر إضاءة ، فلما رأى القمر بازغا طالعا عم ضوءه الأرض ، قال : هذا ربّي ، فلما غاب كما غاب الكوكب في الليلة الماضية ، قال إبراهيم مسمعا قومه : ما هذا أيضا بإله ، ولئن لم يهدني ربّي ويوفّقني لإصابة الحق في توحيده ، لأكونن من القوم الضّالين المخطئين الطريق ، فلم يصيبوا الهدى ، وعبدوا غير الله.
ولما رأى إبراهيم الشمس بازغة طالعة ، وهي أعظم الكواكب المرئية لنا ، قال إبراهيم : هذا هو الآن ربّي ، هذا أكبر من الكواكب والقمر قدرا ، وأعظم ضوءا ونورا ، فلما غابت الشمس كما غاب غيرها ، صرح إبراهيم بعقيدته ، وتبرأ من شرك قومه ، قائلا : إني توجّهت في عبادتي لخالق الأرض والسماء ، وخالق هذه الكواكب ، إني بريء مما تشركون ، باتخاذ إله آخر مع الله ، وإنما أعبد خالق هذه الأشياء ومدبّرها الذي بيده ملكوت كل شيء ، وخالق كل شيء. ومثّل إبراهيم لقومه بهذه الأمور ؛ لأنهم كانوا أصحاب علم نجوم ونظر في الأفلاك.
قال إبراهيم : إني أقبلت بقصدي وعبادتي وتوحيدي وإيماني للذي أبدع السماوات