المؤمنين فيما يفعلون من خير فتقع المكافأة عليه بنعم الدنيا ، ويجيئون يوم القيامة ولا حسنة لهم.
ثم يذكر الله الخالق موقفا لغير المؤمنين يستدعي العجب ، وهو تمنيهم الدفن في التراب ، وذلك حينما يكون الناس في موقف الحساب ، ويستحضر الله الشهود على الأمم وهم الأنبياء بما يكون منهم من تصديق وتكذيب ، ويجاء بالنبي محمد صلىاللهعليهوسلم شاهدا على هؤلاء المكذبين ، من قريش وغيرهم. روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ هذه الآية : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) فاضت عيناه وذرفت الدموع ؛ لأن شهادة أمة محمد صلىاللهعليهوسلم على الأمم تعد من حالات الإعزاز والتكريم ، ولأن شهادة النبي على أمته والأمم السابقة شهادة قاطعة لا تقبل النقض والرفض.
في هذا الموقف الاتهامي والوضع الرهيب لأهل المحشر يود الذين كفروا وعصوا الرسول ويتمنون لو يدفنون في التراب ، فتسوى بهم الأرض ، كما تسوى بالموتى ، وهم لا يستطيعون كتمان حديث أو كلام عن الله لأن جوارحهم (أعضاءهم) تشهد عليهم ، بعد أن يختم الله على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بتكذيبهم والشهادة عليهم بالشرك ، فلشدة الأمر يتمنون الدفن تحت التراب ، وشهادة الأعضاء بإنطاقها من الله سبحانه ، كما قال جل جلاله في كتابه المجيد : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ (١) إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (٢) (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (٣) أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)) [فصلت : ٤١ / ١٩ ـ ٢٣].
__________________
(١) وهم المكذبون برسالات الرسل.
(٢) يساقون بعنف إلى جهنم.
(٣) تستخفون.