والكفار ، في كل زمان ومكان. أما الوعيد فهو للكفار ، فالذين كفروا بآيات الله المنزلة على أنبيائه ، وبخاصة القرآن الذي هو خاتم الكتب الإلهية وأكملها وأبينها ، سوف يحرقون بنار جهنم ، وهذا العذاب أو العقاب والنكال دائم لا ينقطع ولا يفتر ، وكلما نضجت جلودهم بالحرق ، أي احترقت وتلاشت ، ولم تعد صالحة للإحساس بالألم ، بدلهم الله بجلود أخرى حية تشعر بالألم ، وتحس بالعذاب ، جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «تبدّل جلودهم كل يوم سبع مرات».
ثم أكد الله تعالى علة العقاب ، وبيّن مدى القدرة التامة عليه ، فذكر سبحانه أنه عزيز ، أي قادر قوي قاهر لا يغلب ، ولا يمتنع عليه شيء ، مما يريده بالمجرمين ، حكيم لا يعذب إلا بحق وعدل ، ولا يعاقب إلا على وفق الحكمة السديدة ، ومن مقتضيات العدل : أن الكفر والمعاصي سبب للعذاب والعقاب ، وأن الإيمان والعمل الصالح سبب للنعيم والجنة ، فلكل عمل ما يناسبه ، لذا قرن الله في هذه الآيات وغيرها بين ثواب المؤمن وجزاء الكافر ، لإظهار الفرق بينهما ، والجمع بين الترغيب والترهيب كالشأن العام في الآيات القرآنية. وهذه سنة حميدة ، للمقارنة أو الموازنة ، وفي هاتين الآيتين ، لما ذكر الله وعيد الكفار ، عقّب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة. فالذين آمنوا بالله ورسله وقرآنه ، وعملوا صالح الأعمال التي أمر الله بها ، سيدخلهم ربهم سريعا جنات تجري من تحت غرفها وبساتينها الأنهار العذبة ، يتمتعون فيها بالنعيم الدائم ، وهم خالدون فيها أبدا لا يحوّلون ولا يزولون ، ولا يرغبون بديلا عنها ، فلا ملل ولا سأم ولا ضجر ، جزاء مطابقا لعملهم الصالح ، إذ لا يكفي الإيمان وحده بغير العمل الصالح.
ولهؤلاء المؤمنين الصادقين في إيمانهم زوجات بريئات من العيوب الجسدية ، والخلقية أو الطباع الردية ، فليس فيهن ما يعكر المزاج ، أو يكدر الصفو ، وهم يعيشون على الدوام في مكان ممتع ظليل ، لا حرّ فيه ولا برد ، وتلك نعمة كاملة ،