إلا أن الله تعالى فضّل اللباس المعنوي وهو التقوى : أي الإيمان والعمل الصالح على اللباس المادي ؛ لأن أثره خالد ، وحافظ للقيم والأخلاق التي تسعد المجتمع وتنشر الأمن والرخاء والاطمئنان ، وتكفل الاستقرار ودوام الحياة الكريمة.
إن خلق اللباس والريش وهما عبارة عن سعة الرزق ورفاهة العيش والتمتع بالحياة من آيات الله الدالة على قدرته وفضله وإنعامه ورحمته بعباده ، وإن هذه النعم تؤهل البشر لتذكّر فضل الله عليهم ، وتحملهم على الشكر وتقدير المنعم ، والبعد عن فتنة الشيطان (محاولة الإيقاع في البلاء) وإبداء العورات.
والوفاء للمنعم وشكره نتيجة طبيعية لكل معروف وصاحبه ، فمن قدم جميلا لغيره استحق الشكر وتقدير المعروف ، لذا ذكّر الله تعالى المؤمنين بما هو خير لهم : وهو ألا يغفلوا عن أنفسهم ، ولا يصرفنهم الشيطان عن وصايا الله وشرعه ودينه. وفتنة الشيطان : الاستهواء والغلبة على النفس. والمعنى في قوله تعالى : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) نهيهم أنفسهم عن الاستماع للشيطان وإطاعة أمره ، فإن للشيطان فتنة ومحاولة لإغراء الناس ، كما فتن أبوينا آدم وحواء بالإخراج من الجنة ، فإن وسوسته أدت بسبب مخالفتهما أمر الله إلى التسبب في الطرد من الجنة ، ونزع اللباس عن عوراتهما ، وهو ورق الجنة ، وإظهار سوءاتهما أي عوراتهما. وزيادة في التحذير والاعلام بأن الله عزوجل قد مكّن الشيطان من ابن آدم ، أخبرنا الله سبحانه بأن الشيطان يرى المؤمنين هو وجماعته ، وهم لا يرونه ، فيجب التخلص من وساوسه بكثرة الطاعة والقناعة برزق الله وفضله ، علما بأن للشيطان أعوانا وأنصارا ، والشياطين هم أعوان الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى إيمانا حقا تزكو به نفوسهم ، وتصلح به أعمالهم ، بسبب استعدادهم لقبول وسواس الشيطان ، كاستعداد ضعفاء الأجسام لاستقبال الأمراض الفتاكة بسرعة كبيرة وتورط شديد.