ثم وجّه القرآن الكريم إلى قاعدة أساسية في الطّب وتناول المباحات النافعة ، وهي : الأكل والشرب من غير إسراف ولا تقتير ، فالإسراف مذموم لتجاوزه حدود الحاجة والاعتدال ، والتقتير مذموم لأنه بخل وشحّ ، وكفى بالبخل داء ، والمطلوب هو الاعتدال في المأكل والمشرب من غير تجاوز الحلال إلى الحرام ، ولا الحاجة إلى التّخمة ، ولا التقصير في الإنفاق لأنه مضرّة وبخل.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كلوا واشربوا ، والبسوا ، وتصدّقوا من غير مخيلة ولا سرف ، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».
وليس أضرّ على الإنسان والأمة من الإسراف ، فإنه ضرر وخطر بل وحرام وبطر ، كما أنه ليس من الحكمة والخير تحريم الزينة والطّيبات من الرزق التي خلق الله موادها لعباده ، وعلمهم كيفية الانتفاع بها ، فهي مستحقّة مخلوقة لعباد الله من المؤمنين وغيرهم عدلا من الله وفضلا ونعمة.
لذ أنكر القرآن الكريم على من يحرّم الانتفاع بالمباحات زهدا وترفّعا ، فهذا خطأ ، فإن الطّيبات من الرزق حلال للناس جميعا في الدنيا ، وخالصة خاصة للمؤمنين يوم القيامة ، لا يشركهم فيها أحد من الكفار ، فإن الجنة محرّمة على الكافرين.
ومثل هذا التفصيل التّام والبيان لحكم الزينة والطّيبات ، يفصل الله تعالى الآيات الدّالة على كمال الشّرع والدّين ، وصدق النّبي والقرآن وإتمام الشريعة لقوم يعلمون العلوم النافعة كعلوم الاجتماع والنفس والطّب والمصالح.
وهذا الاتجاه القرآني في الاعتدال في اللباس والطعام والشراب والانتفاع بمنافع الدنيا الحسنة دليل على أن الإسلام دين الكمال والسّمو ، والقوة والمدنيّة والحضارة ، والتّقدم والاعتدال ، والله ولي المتّقين.