بدونه إليه لتوقفه عليه ، فالواجب غيري ، وإلّا فهو نفسي سواء كان الداعي محبوبية الواجب بنفسه ؛ كالمعرفة بالله ، أو محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه ؛ كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات.
هذا ، لكنه لا يخفي : أن الداعي لو كان هو محبوبيته كذلك ـ أي : بما له من الفائدة المترتبة عليه ـ كان الواجب في الحقيقة واجبا غيريا ، فإنه لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازما ، لما دعي إلى إيجاب ذي الفائدة.
فإن قلت (١) : نعم ؛ وإن كان وجودها محبوبا لزوما ، إلّا إنه حيث كانت من الخواص المترتبة على الأفعال التي ليست داخلة تحت قدرة المكلف ، لما كاد يتعلق بها الإيجاب.
قلت (٢) : بل هي داخلة تحت القدرة ؛ لدخول أسبابها تحتها ، والقدرة على السبب قدرة على المسبب ، وهو واضح ، وإلّا لما صح وقوع التطهير والتمليك والتزويج والطلاق والعتاق إلى غير ذلك من المسببات موردا لحكم من الأحكام التكليفية.
______________________________________________________
وأما غيرها من الواجبات فواجبات غيرية لأجل غايات مترتبة عليها بناء على مذهب العدلية ، فتعريف الواجب النفسي لا يكون جامعا للأفراد ، وفي المقابل لا يكون تعريف الواجب الغيري مانعا للأغيار ، لدخول الواجبات النفسية في تعريفه.
وقد أشار المصنف إلى هذا الإيراد بقوله : «لا يخفى : أن الداعي لو كان هو محبوبيته كذلك ...» إلخ.
(١) هذا إشارة إلى ما أجيب به عن الإيراد المذكور.
وملخص الجواب : أن الفوائد المترتبة على الواجبات وإن كانت محبوبة ؛ إلّا أنها خارجة عن الاختيار ، فلا تتعلق القدرة بها ، وعليه : فلا يعقل وجوبها وتعلق الخطاب بها لاستلزامه تكليفا بما هو غير مقدور. فحينئذ لا تكون تلك الفوائد المترتبة على الأفعال واجبة حتى يقال بكون تلك الأفعال واجبات غيرية.
(٢) هذا رد من المصنف على الجواب المذكور.
وحاصل الرد : أن تلك الفوائد والخواص وإن كانت في حد أنفسها وبلا واسطة خارجة عن القدرة إلّا أنها مقدورة مع الواسطة لدخول أسبابها تحت القدرة ، ومن البديهي : أن القدرة على السبب قدرة على المسبب ، وإلّا لم يصح وقوع مثل التطهير والتمليك والتزويج والطلاق والعتاق وغير ذلك من المسببات موردا لحكم من الأحكام الشرعية ، وهو واضح البطلان.