بلحاظ الأصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت ، حيث يكون الشيء تارة : متعلقا للإرادة والطلب مستقلا للالتفات إليه بما هو عليه ؛ مما يوجب طلبه فيطلبه ، كان طلبه
______________________________________________________
يكون ذلك الشيء عليه من الملاك الموجب لطلب ذلك الشيء ، فيطلبه ويأمر به ، وهو المسمى حينئذ بالواجب الأصلي ؛ من غير فرق بين ما كان طلبه نفسيا أو غيريا ، ثم الواجب التبعي حينئذ ما يكون متعلقا لإرادة تابعة لإرادة غيره ؛ كما أشار إليه بقوله : «وأخرى متعلقا للإرادة تبعا لإرادة غيره ؛ لأجل كون إرادته» أي : الشيء «لازمة لإرادته» أي : الغير.
ومن هنا يظهر : أن كلا من الواجب النفسي والغيري يتصف بالأصلي بهذا المعنى ، ولا يتصف بالتبعي بهذا المعنى إلّا الواجب الغيري ، إذ ليست الإرادة تابعة لإرادة غيره في الواجب النفسي.
وكيف كان ؛ فظاهر المصنف : كون هذا التقسيم بلحاظ الأصالة والتبعية في مقام الثبوت تبعا للشيخ الأنصاري «قدسسره» لا بلحاظهما في مقام الإثبات والدلالة ، كما هو مذهب صاحبي القوانين والفصول ، حيث قال صاحب القوانين ما هذا لفظه : «والمراد من الوجوب الشرعي هو الأصلي الذي حصل من اللفظ ، وثبت من الخطاب قصدا» وهذا الكلام صريح في المطلوب.
وقال صاحب الفصول : «وينقسم الواجب باعتبار آخر إلى أصلي وتبعي ، فالأصلي : ما فهم وجوبه بخطاب مستقل أي : غير لازم لخطاب وإن كان وجوبه تابعا لوجوب غيره. والتبعي : بخلافه ، وهو ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر وإن كان وجوبه مستقلا ؛ كما في المفاهيم. والمراد بالخطاب : ما دل على الحكم الشرعي فيعم اللفظ وغيره» ، فهما متفقان على كون التقسيم إلى الأصلي والتبعي ناظرا إلى مقام الإثبات والدلالة.
وقد أشار المصنف إلى كون التقسيم المذكور بحسب مقام الإثبات بقوله : «فإنه يكون في هذا المقام أيضا تارة : مقصودا بالإفادة» أي : الشيء المطلوب «يكون في هذا المقام» أي : مقام الإثبات «أيضا» أي : كمقام الثبوت «تارة : مقصودا بالإفادة» بأن يكون سوق الكلام لإفادته ، فتكون دلالة الكلام على طلبه استقلالا ، «وأخرى :» يكون طلبه «غير مقصود بها» أي : بالإفادة «على حدة» ، فلا يكون الكلام مسوقا لإفادته. فالأول : يكون مقصودا بالأصالة ، والثاني : يكون مقصودا بالتبع ، فالأصالة والتبعية كما تكونان بحسب مقام الثبوت ، كذلك تكونان بحسب مقام الإثبات والدلالة ؛ «إلّا إنه لازم الخطاب» أي : الشيء المطلوب يكون لازم الخطاب فيما هو المقصود بالتبع.