أما في مقام الأوّل (١) : فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وإن كانا متحدين فيما هو
______________________________________________________
الشرعية ؛ لأن الطبيعة من حيث هي هي ليست إلّا هي ليست موجودة ولا معدومة ولا واحدة ولا كثيرة ولا غيرها من الأشياء.
ولكنها بما هي مقيدة بالوجود ؛ بحيث يكون القيد خارجا والتقيد داخلا تكون متعلقة للأحكام ؛ إذ ليست الماهية من حيث هي هي منشأ للآثار التي منها الأحكام الشرعية ؛ لوضوح : عدم قيام المصالح والمفاسد بها من حيث هي هي ، بل باعتبار وجودها ، بمعنى : تعلّق الحكم بها بقيد الوجود بنحو خروج القيد ودخول التقيّد.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إذا كان متعلق الأمر والنهي ماهيتين لا محذور في الاجتماع من حيث ثبوت الحكمين ، ولا من حيث سقوطهما. وقد عرفت في المقدمة تعدد متعلقي الأمر والنهي. إذ المفروض : عدم كون الوجود جزءا للمتعلقين حتى يتحدا بسبب الوجود ، كي يلزم اجتماع الضدين المستحيل. بل المتعلقان متعددان في مقام الأمر والنهي ، وفي مقام الامتثال والعصيان.
وأما تعددهما في المقام الأوّل : فهو واضح لتعدد الطبيعتين وإن اتحدتا فيما هو خارج عن متعلق الطلب. وهو الوجود. فلا يلزم حينئذ إشكال اجتماع المصلحة والمفسدة ، ولا الإرادة والكراهة ، ولا البعث والزجر.
وأمّا تعددهما في المقام الثاني : فلأن المفروض : هو تعدد متعلقي الأمر والنهي ، وعدم وحدتهما ، فموضوع الأمر غير موضوع النهي ، ولذا يمتثل الأمر بإيجاد متعلقه ، ويتحقق العصيان بمخالفة النهي فلا يجتمع الحكمان في واحد في شيء من المقامين.
فالمتحصل : أنه لا يلزم اجتماع الأمر والنهي في واحد أصلا ؛ لا في مقام التشريع ولا في مقام الامتثال. أما الأول : فلما عرفت من : تعدد الطبيعتين بما هما متعلقان لهما.
وأما الثاني : فلأنه إذا أتى بالصلاة في الغصب سقط الأمر بطبيعة الصلاة بالطاعة ، والنهي عن طبيعة الغصب بالعصيان بسوء الاختيار.
فلا يجتمع الأمر والنهي في واحد أصلا ؛ لا في مقام التشريع ولا في مقام الامتثال ، فلا محيص عن الحكم بجواز الاجتماع ، هذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «لا في مقام تعلّق البعث والزجر ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار».
(١) أي : وأما عدم الاتحاد «في المقام الأول» وهو مقام تعلّق البعث والزجر «فلتعددهما» أي : فلتعدد المتعلقين «بما هما متعلقان لهما» أي : للأمر والنهي. «وإن كانا» أي : المتعلقان «متحدين فيما هو خارج عنهما» أي : في الوجود الذي هو خارج عن