طول الكلام بما لا يسعه المقام ، فالأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الإشكال ، فيقال وعلى الله الاتكال : إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ، ولا بدل له ، كصوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدأة في بعض الأوقات.
وثانيها : ما تعلق به النهي كذلك ، ويكون له البدل ، كالنهي عن الصلاة في الحمام.
ثالثها : ما تعلق النهي به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجا ، كالصلاة في مواضع التهمة ، بناء على كون النهي عنها لأجل اتحادها مع الكون في مواضعها.
أما القسم الأول (١) : فالنهي تنزيها عنه بعد الإجماع على أنه يقع صحيحا ومع
______________________________________________________
وجودا إذا كانت الصلاة عبارة عن الأكوان وهي كون المصلي حال القيام ، وكونه حال الركوع والسجود.
وأما إذا كانت الصلاة عبارة عن الأفعال والأقوال. أي : القيام والقعود والانحناء والاستقبال والتكبيرة والقراءة والذكر والتشهد والتسليم. وكانت الأكوان خارجة عن حقيقة الصلاة ، فكان النهي متعلقا بالكون الذي هو ملازم للصلاة خارجا أي : لا تتحقق الصلاة في الخارج إلّا بسبب الكون ، يعني : كون المصلي في مكان من الأمكنة ، فالكون ملازم للصلاة خارجا. هذا تمام الكلام في الفرق بين الأقسام.
(١) هذا شروع في بيان الجواب عن الإشكال ببيان أحكام تلك الأقسام.
وحاصل الكلام في المقام : أن النهي عن القسم الأول يكون تنزيهيا بعد الإجماع على أن القسم الأول يقع صحيحا ، ولازم قيام الإجماع على صحة العبادة قرينة على أن يكون الترك أرجح ، وحينئذ يكون النهي تنزيهيا لا تحريميا ، ضرورة : عدم اجتماع صحة العبادة مع النهي التحريمي عنها.
وكيف كان ؛ فالإجماع على صحة العبادة قرينة جلية على كون النهي تنزيهيا.
وتوضيح الجواب عن القسم الأول يتوقف على مقدمة وهي : أن الكراهة في الموارد المذكورة ليست كراهة مصطلحة. وهي التي تنشأ عن مفسدة في الفعل. إذ لو كانت الكراهة في المقام كراهة مصطلحة ناشئة عن مفسدة في الفعل غالبة على مصلحته لم يقع الفعل في الخارج صحيحا ، ضرورة : عدم إمكان التقرب إلى المولى بما هو مبغوض له ومشتمل على مفسدة غالبة ، مع إنه لا شبهة في وقوع الفعل صحيحا وإمكان التقرب به