البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة ، وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان ، ولا يتفاوت طوله وقصره ، فيما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب.
ولعمري (١) ما ذكرناه واضح لا سترة عليه ، والإطناب إنما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب.
______________________________________________________
بما يترتب عليه من مثوبة على موافقته ، وإتيان متعلقه ، وعقوبة على مخالفته ، وترك متعلقه ، وهذا مما لا يمكن أن يتحقق إلّا بعد البعث بزمان قصير ؛ كما في الواجب المنجز ، أو بزمان طويل ؛ كما في الواجب المعلق.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية قياس مع الفارق.
وخلاصة الفرق ـ ببيان أوضح ـ : أنه لو سلمنا امتناع الانفكاك في الإرادة التكوينية ، فلا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية ؛ وذلك لما عرفت ـ في المقدمة ـ من أن المكلف لا ينبعث عن الأمر نحو المأمور به إلّا بعد تصور الأمر وما يترتب عليه من الثواب على موافقته ، والعقاب على مخالفته ؛ ليحصل له الداعي إلى الإتيان بالمأمور به ، فلا محالة يتأخر الانبعاث الذي هو ظرف الواجب عن البعث ، ويتحقق الانفكاك بينهما.
فالمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنه لا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية وهي : إرادة الفعل من الغير باختيار ذلك الغير.
(١) يقول المصنف : «ولعمري ما ذكرناه» من تخلف الإرادة التشريعية عن المراد واضح ، فلا يكون مستحيلا ـ كما زعمه بعض أهل النظر ـ إذ لو كان مستحيلا لكان مستحيلا في الواجب المنجز أيضا ؛ لأن ملاك الاستحالة هو : تخلف الانبعاث عن البعث ، وهو موجود في الواجب المنجز ، فلا فرق بين الواجب المعلق والمنجز في الاستحالة ، فإن كان الواجب المنجز ممكنا كان الواجب المعلق أيضا ممكنا ؛ إذ لا دخل لطول الزمان وقصره في الاستحالة والإمكان.
ثم يعتذر المصنف عن إطناب الكلام في المقام ـ وهو على خلاف ديدنه ـ بأنّه كان لأجل رفع المغالطة والاشتباه اللذين وقعا في أذهان بعض الطلاب ، كما وقع في ذهن المستشكل المذكور ؛ وهو بعض أهل النظر.