.................................................................................................
______________________________________________________
القربة وبدون قصدها لا يكون العمل عبادة حتى تفسد بحرمتها الناشئة من النهي. وإن أتى بالعمل مع قصد القربة كان مشرّعا ؛ إذ لا أمر به مع حرمته ، فلا يقدر على نيّة القربة إلّا بتشريع ليقصد التقرب به ، وحينئذ يحرم العمل للتشريع ، ومع هذه الحرمة التشريعية يمتنع اتصافها بالحرمة الذاتية ؛ لاجتماع المثلين المستحيل.
وخلاصة الكلام في المقام : أن النهي عن العبادة لما لم يدل على الحرمة الذاتية لامتناع اتصاف العبادة بها فلم يدل على الفساد أيضا.
فلا يصح الالتزام بدلالته على فساد العبادة.
وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بوجوه :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ...» إلخ.
توضيح ذلك : أن العبادة تارة : تكون شأنية بمعنى : أنه لو أمر به كان عبادة كصوم العيدين بناء على حرمته ذاتا ، فهو عبادة شأنية بحيث لو ورد الأمر به من الشارع لكان أمره عباديا كالأمر بصوم سائر الأيّام.
وأخرى : تكون العبادة عبادة ذاتية فعلية ؛ كالسجود مثلا ، ثم المراد بالعبادة في العنوان هو العبادة الشأنية لا العبادة الذاتية الفعلية ، فما ذكره المستشكل من امتناع اتصاف العبادة بالحرمة الذاتية ممنوع ؛ إذ لا مانع من اتصاف العبادة الشأنية بالحرمة الذاتية ، فإن صوم العيدين عبادة شأنية فيه مفسدة ملزمة أوجبت حرمته الذاتية.
أمّا الوجه الثاني في الجواب فحاصله : منع ما ذكره المستشكل من امتناع الاتصاف بالحرمة الذاتية مع الحرمة التشريعية لاجتماع المثلين المستحيل ، لأن مورد اجتماع المثلين المحال هو اتحاد الموضوع ، وأمّا مع تعدده فلا يلزم اجتماع المثلين والمقام من هذا القبيل ؛ ضرورة : أنّ موضوع حرمته التشريعية هو الالتزام بكون شيء من الدين مع عدم العلم بأنه منه ، ومن المعلوم : أن الالتزام فعل قلبي ، وموضوع الحرمة الذاتية هو نفس الفعل الخارجي ؛ كالسجود من الجنب ، ومع تعدد الموضوع لا تجتمع الحرمتان حتى يلزم اجتماع المثلين المحال.
أمّا الوجه الثالث فحاصله : أنّه يمكن البناء على فساد العبادة المنهي عنها وإن لم نقل بدلالة النهي على الحرمة ؛ إذ لا أقلّ من دلالته على عدم الفرد المنهي عنه مأمورا به ؛ إذ لا معنى للنهي مع الأمر الفعلي ، وبدون الأمر يكون حراما تشريعيا ، فيكون فاسدا لكفاية الحرمة التشريعية في الفساد.