هذا مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا يوجب (١) أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.
______________________________________________________
الغير المنحصرة ومعلولها ، هذا ما أشار إليه بقوله : «مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما» أي : بين العلة المنحصرة ومعلولها «أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة».
توضيح ذلك : على ـ ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٣١٩» ـ : أن العلة المنحصرة عبارة عن السبب المجامع مع الشرط وعدم المانع مع عدم سبب آخر ، ومن المقرر في محله : تفاوت دخل أجزاء العلة في ترتب المعلول عليها ، ففي السبب خصوصية تقتضي وجود المعلول ، وليست هذه الخصوصية في غير السبب ، والشرط وعدم المانع دخيلان في تأثير السبب ، وإلا فوجود المعلول يستند إليه لا إلى سائر أجزاء العلة ، وتلك الخصوصية مقدمة لسببية السبب سواء وجد معه سائر أجزاء العلة أم لا ، وسواء كان هناك سبب آخر أم لا. فليس انحصار العلة من الذاتيات المنوّعة للسبب ، ولا من الصفات اللازمة له ـ كالضحك للإنسان ـ بل ينتزع الانحصار وعدمه من وجود سبب آخر وعدمه ، فليس الانحصار موجبا لأكملية الخصوصية التي يتقوم بها السبب ويستند إليها المسبب ، بل إن تحققت في المسبب أثر السبب آثره في وجود المعلول سواء كان منحصرا أم لا ، وإن لم تتحقق فيه : فلا يؤثر في وجوده أصلا ، بل الانحصار أجنبي عن سببية السبب.
ثم إن الأولى تقديم هذا الوجه على الوجه الأول بأن يقال : أما أولا : فلا أكملية ، وأما ثانيا : فبعد تسليمها لا توجب الانصراف فيرجع جواب المصنف عن الدعوى المذكورة إلى منعها صغرى وكبرى.
أما صغرى : فلعدم كون العلاقة بين العلة المنحصرة ومعلولها آكد وأقوى من العلاقة بين العلة الغير المنحصرة ومعلولها ، لما عرفت : من أن الانحصار ينتزع من عدم سبب آخر ، لا عن نفس الخصوصية المقوّمة للسبب حتى يكون اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها أكمل من اللزوم بين العلة الغير المنحصرة ومعلولها.
وأما كبرى : فلعدم كون الأكملية موجبة للانصراف ، سيما مع كثرة الاستعمال في غير الأكمل أيضا ، كما في المقام ، ضرورة : كثرة استعمال الجملة الشرطية في غير العلة المنحصرة لو لم يكن بأكثر.
(١) أي : الانحصار لا يوجب أن يكون الربط بين العلة المنحصرة ومعلولها آكد وأقوى من الربط بين العلة الغير المنحصرة ومعلولها ، بل يمكن ادعاء : إن اللزوم لا يتصف بالكمال والنقص أصلا.