بقي هاهنا أمور :
الأمر الأول (١):
أن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ،
______________________________________________________
وحاصل الكلام في المقام : أن القائل بالمفهوم إنما يدعي ظهور الجملة الشرطية في المفهوم وضعا أو إطلاقا ناشئا عن مقدمات الحكمة التي هي قرينة عامة ، ومن المعلوم : أنه لا يدعي الدلالة الوضعية أو الإطلاقيّة على المفهوم حتى في موارد قيام القرينة الخاصة على عدمه ، فهو كمن يدعي وضع صيغة الأمر للوجوب ، مع اعترافه باستعمالها كثيرا في الندب بالقرائن.
(١) في قانون أخذ المفهوم ، والمقصود من عقد هذا الأمر الأول : بيان ما هو ضابط كلي لأخذ المفهوم : هل هو انتفاء شخص الحكم الحاصل بإنشائه في القضية المنطوقة أو انتفاء سنخ الحكم ونوعه.
وقد توهم بعض : أن المناط فيه هو انتفاء شخصه لا نوعه ، واستدل عليه بأن الشرط الواقع في القضية المنطوقة ـ في : مثل «إن جاءك زيد فأكرمه» ـ إنما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه في تلك القضية ، وقضيتها هو : انتفاء ذاك الحكم الشخصي بانتفاء شرطه لا سنخه ونوعه ، لأن الشرط في ظاهر القضية لم يقع شرطا لسنخ الحكم.
وقد أورد عليه المصنف بقوله : «لا انتفاء شخصه ، ضرورة : انتفائه عقلا ...» إلخ.
وحاصل إيراد المصنف : أن انتفاء شخص الحكم قطعي عقلا ، لأن الحكم الشخصي ينتفي بانتفاء الشرط بضرورة العقل ، وليس انتفاؤه من باب المفهوم ، بل من باب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ، ولذا ينتفي شخص الحكم في اللقب أيضا مع إنه لا مفهوم له بالاتفاق ، مثلا : إذا قيل : «أكرم زيدا» ينتفي شخص هذا الحكم بانتفاء زيد بحكم العقل ، وليس ذلك من باب المفهوم ، ولذا لو قيل : «أكرم عمروا» لا ينافي ذلك قوله : «أكرم زيدا» ، لأن إثبات الشيء كوجوب إكرام زيد لا ينفي ما عداه كوجوب إكرام عمرو.
وكيف كان ؛ فالحق عند المصنف : أن المعيار في كون القضية الشرطية ذات مفهوم هو انتفاء طبيعة الحكم المعلقة في المنطوق على شرط.
والوجه في ذلك : أنه لو لم يكن المعلق طبيعة الحكم ، بل كان شخصه لما كان انتفاؤه من باب المفهوم ، بل كان انتفاؤه بانتفاء موضوعه عقليا ، كانتفاء العرض بانتفاء موضوعه ، نظير القضية المسوقة لبيان وجود الموضوع مثل : «إن رزقت ولدا فاختنه» ، فإن مثل هذه القضية لا مفهوم لها وليست موردا للنفي والإثبات عند القائلين للمفهوم