وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء ، بخلاف الوجه الأول فإن فيهما الدلالة على ذلك.
وإما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معا ، فإذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدها.
______________________________________________________
ثالث الوجوه الأربعة وحاصله : أن تكون العلة لوجوب القصر مجموع خفاء الأذان والجدران معا ، لا كل منهما بنحو الاستقلال.
توضيح ذلك بعد تمهيد مقدمة وهي : أن الشرط له دخل في موضوع الحكم ، فتارة : يكون تمام الموضوع للحكم المذكور في الجزاء ، وأخرى : يكون جزء الموضوع ، إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن إطلاق الشرط في كل منهما يدل على كون الشرط تمام الموضوع للحكم المذكور في الجزاء ، فخفاء الأذان موضوع تام لوجوب القصر ، وكذا خفاء الجدران ، ونرفع اليد عن هذا الإطلاق اللفظي ، ونقيّد إطلاق كل منهما بالآخر ، ونتيجة ذلك : صيرورة كل من الشرطين جزء الموضوع ، بمعنى : أن خفاء الأذان مع الجدران يوجب القصر ، ويكون مفادهما وجوب القصر بخفاء كليهما ، فكأنه قيل : «إذا خفي الأذان وتوارى عنه البيوت وجب عليه القصر» ، وعليه : يجب القصر عند تحققهما جميعا ، ولا يجب عند انتفاء أحدهما فضلا عن انتفاء كليهما ، لأن الحكم في الجزاء مترتب على كلا الشرطين ، ولا يترتب على أحدهما ، فمرجع هذا الوجه إلى رفع اليد عن ظهور كل من الشرطين في الاستقلال ، وجعل كل منهما جزء الموضوع والمجموع شرطا واحدا نافيا لدخل غيرهما في الجزاء ، ولازم ذلك : أن يكون القصر واجبا عند خفاء الأذان والجدران معا ، ولا يجوز القصر عند خفاء الأذان فقط ، أو خفاء الجدران فقط ، أو عند عدم خفاء كليهما ، فهذا الوجه عكس الوجهين الأولين في النتيجة ، حيث إن الشرط فيهما هو تمام الموضوع للحكم في الجزاء ، وفي هذا الوجه جزء الموضوع.
٤ ـ ما أشار إليه بقوله : «وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما» ، هذا هو رابع الوجوه الأربعة وحاصله : أن يكون الشرط هو الجامع بين الشرطين ، للقاعدة المشهورة بين الفلاسفة وهي : أن الواحد لا يصدر إلا من الواحد ، وهي مبنية على مقدمتين :
إحداهما : اعتبار الربط والسنخية بين العلة والمعلول ، كالسنخيّة بين النار والإحراق مثلا ، وإلا لصدر كل شيء من كل شيء وهو غير معقول.
وأخراهما : إن الشيء الواحد من حيث هو واحد لا يمكن أن يكون مرتبطا ومتسنخا