الشرعية حالها حال غيرها في كونها معرفات تارة ، ومؤثرات أخرى ، ضرورة (١) : أن
______________________________________________________
الشرطية في تعدد المسبب بتعدد السبب ، فإن هذا الظهور يدل على تعدد السبب الحقيقي.
فالنتيجة : أن مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا يوجب القول بالتداخل ؛ إذ تعدد الكاشف مستلزم لتعدد المنكشف ، فإذا كشف النوم عن ظلمة باطنية ـ وهي موجبة للوضوء ـ كشف البول عن ظلمة باطنية أخرى وهي أيضا موجبة له ، فتعدد الظلمات يقتضي تعدد المسبب. أعني : وجوب الوضوء ، فلا مجال للتداخل. والمراد بقوله : «المسألة» هو مسألة التداخل. هذا تمام الكلام في الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني : فحاصله : أنه لا فرق بين السبب الشرعي والعرفي ، فإنهما قد يكونان كاشفين كما في قوله : «إن لبس الأمير أصفر فاحذره وإذا أذن المؤذن فصلّ» ، وقد يكونان مؤثرين كما في قوله : «إن غضب الأمير فاحذره ، وإن كثر الماء لا ينفعل بالملاقاة» ، وإن كان ظاهر التعليق في كليهما المؤثرية.
وكيف كان ؛ فمرجع هذا الوجه الثاني إلى ضعف المبنى وهو كون الأسباب الشرعية مطلقا معرفات لا غير.
وجه الضعف : أنه لا دليل على كون الأسباب الشرعية معرفات ، وأنه لا أصل لما اشتهر : من أن الأسباب الشرعية معرفات ، بل هي على نوعين كما عرفت كالأسباب الغير الشرعية ، فالسبب الشرعي المؤثر كالاستطاعة الموجبة للحج ، والمعرف كخفاء الأذان الذي هو معرّف لما هو المؤثر في وجوب القصر ، وهو البعد الخاص. والسبب الغير الشرعي المؤثر كطلوع الشمس المؤثر في ضوء العالم ، والمعرف كضوء العالم الذي هو المعرف لطلوع الشمس.
كما أشار إليه بقوله : «في كونها معرفات تارة ، ومؤثرات أخرى».
(١) تعليل لكون الأسباب الشرعية كغيرها في كونها معرفات تارة ، ومؤثرات أخرى وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٣٨٤» ـ أنه قد يكون شرط الحكم الشرعي مؤثرا في ترتب الحكم عليه ؛ بحيث لولاه لما وجدت للحكم علة ، كقوله : «إذا شككت فابن على الأكثر» ، وقد يكون أمارة على ما هو المؤثر في الحكم ، كخفاء الجدران الذي هو أمارة على التجاوز عن حد الترخص الذي يترتب عليه وجوب القصر. كما أنه قد يكون شرط الحكم غير الشرعي مؤثرا ؛ كطلوع الشمس بالنسبة إلى وجود النهار ، وقد يكون أمارة على ما هو المؤثر ؛ كضوء العالم الذي هو أمارة طلوع الشمس ، الذي هو المؤثر في وجود النهار.