وذلك (١) للانسباق عند الإطلاق قطعا ، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة من عدم الإفادة محتجا بمثل : «لا صلاة إلا بطهور» (*).
______________________________________________________
النفي إثباتا ، ومن الإثبات نفيا ، كما هو مقتضى الاختصاص.
(١) هذا استدلال من المصنف على مدعاه بالتبادر إلى الأذهان من إطلاق أداة الاستثناء ، وتجردها عن القرينة الدالة على هذا الاختصاص ، فلذا يقول : «وذلك» أي : الوجه في دلالة الاستثناء على الاختصاص المزبور هو التبادر ، حيث إنه لا شبهة في وجوده هنا عند أرباب المحاورة ، وهذا التبادر كاف في إثبات الاختصاص المزبور ، والدلالة على انتفاء الحكم عن المستثنى ؛ لأن التبادر معلول للوضع ، ولذا يكون من علامات الحقيقة.
فالمتحصّل : أن الاستثناء يدل بحكم التبادر على اختصاص سنخ الحكم بالمستثنى منه ، ولازمه : ثبوت نقيضه للمستثنى ، فمفاد «أكرم العلماء إلا فساقهم» هو : اختصاص سنخ وجوب الإكرام بغير فاسقهم ، فلا يجب إكرامهم. ومع وضوح هذا المعنى ـ في الاستثناء ـ ذهب أبو حنيفة إلى عدم دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه ، واحتجّ أبو حنيفة لمدعاه بمثل : «لا صلاة إلا بطهور» بتقريب : أن الاستثناء لو كان دالا على اختصاص الحكم بالمستثنى منه وانتفائه عن المستثنى لكان دالا على أن صلاة فاقد الطهور ليست بصلاة مطلقا أي : وإن كانت واجدة لما عدا الطهور من الأجزاء ، والشرائط ، والواجدة له صلاة مطلقا أي : وإن كانت فاقدة لما عداه من الأجزاء والشرائط ، والواجدة له صلاة مطلقا أي : وإن كانت فاقدة لما عداه من الأجزاء والشرائط ، وهو باطل قطعا ، ضرورة : انتفاء الصلاة بفقدان ركن من أركانها ـ كالركوع ـ مع وجود الطهور ، فهذا كاشف عن عدم دلالة الاستثناء على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى ؛ إذ مقتضى مفهوم الاستثناء : كون الطهور وحده صلاة ، وهو مما لم يقل به أحد.
وقد أجاب المصنف عن استدلال أبي حنيفة بوجهين :
الوجه الأول : ما أشار إليه بقوله : «أولا : بكون المراد من مثله».
وحاصله : أن المراد من المستثنى منه في هذا التركيب هي الصلاة التامة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط عدا الطهارة ؛ فالصلاة الفاقدة لها إما ليست بصلاة أصلا ـ بناء على وضع ألفاظ العبادات للصحيح ـ وإما ليست بصلاة تامة ـ بناء على وضعها للأعم ـ فالمفهوم حينئذ هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط حتى الطهور. وعلى هذا : فالمنطوق
__________________
(*) التهذيب ، ج ١ ، ص ٤٩ ، ح ٨٣ / الفقيه ، ج ١ ، ص ٣٣ ، ح ٦٧ / تحفة الأحوذي ، ج ١ ، ص ٩٣.