الغائبين ؛ لإحاطته بالموجود في الحال ، والموجود في الاستقبال فاسد (١).
ضرورة : أن إحاطته تعالى لا توجب صلاحية المعدوم ؛ بل الغائب للخطاب ، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى (٢) ، كما لا يخفى. كما أن (٣) خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا (٤) عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ، ضرورة. هذا (٥) لو قلنا بأن
______________________________________________________
ويؤيد ذلك : قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١) ، فالكل في عرض واحد مشهود لديه «جلّ شأنه» ، فيصح خطابه للمعدوم ، كما يصح للموجود.
(١) خبر لقوله : «وتوهّم» ودفع له. وحاصل فساد التوهم المذكور : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٥٩٧» ـ أن محل الكلام خطاب المكلّفين بوجودهم الزماني الجسماني ، لا بوجودهم المثالي أو العقلي ، حيث إن التكليف المشروط بالاختيار القابل للإطاعة والعصيان لا يتوجه إلا إلى الموجود المختار القابل للإطاعة والمعصية ، فالمعدوم قاصر وغير قابل لتوجيه الخطاب الحقيقي إليه ، فالقصور في ناحيته ؛ لا في ناحية المخاطب ـ بالكسر ـ حتى يقال : إنه تعالى محيط بالموجود والمعدوم على نهج واحد ، ويصح له خطاب المعدوم ، فإن إحاطته تعالى بهما لا توجب قابلية المعدوم للخطاب ، ولا ترفع قصوره. كما أن قصوره لا يوجب نقصا في ناحيته «تبارك وتعالى» ، نظير امتناع اجتماع الضدين ، فإن امتناعه لا يوجب نقصا في قدرته «عزّ اسمه» ، كما أن قدرته الكاملة وإحاطته التامة لا توجب قابلية الضدين للاجتماع.
(٢) إذ عدم قابلية الظرف مثلا لأخذ ماء البحر ليس من جهة نقص في ماء البحر ؛ بل من جهة نقص الظرف. وقد ورد في بعض من الروايات حين سئل الإمام عن تعلق قدرة الله تعالى بالمستحيل فأجاب «عليهالسلام» : بأن «ربّنا لا يوصف بالعجز ولكن الطرف غير قابل».
(٣) يعني : كما أن إحاطته تعالى بالمعدوم لا توجب صلاحيته للخطاب الحقيقي لقصوره ؛ كذلك لا يكون نفس الخطاب اللفظي المتصرم وجوده قابلا لتوجهه إلى المعدوم ؛ لأن المراد بالخطاب ـ وهو القرآن ـ وجوده اللفظي التدريجي المتصرم ؛ لا وجوده في اللوح المحفوظ ، ومن المعلوم : انعدام الخطاب قبل وجود المعدومين.
(٤) وجه قصوره تدريجية الكلام ، وتصرّمه ، وعدم وجود المخاطب حين الخطاب ، فلو كان الخطاب أبديا كان توجهه إلى المعدوم بعد وجوده ممكنا.
(٥) أي : اختصاص الخطابات بالمشافهين ، وعدم شمولها للغائبين والمعدومين مبني
__________________
(١) الأعراف : ١٧٢.