والسّر : أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر ، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها بخلافها ، فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره ، ولا ينحصر الدليل على الخبر بالإجماع كي يقال : بأنه فيما لا
______________________________________________________
ومعه كيف يجوز رفع اليد عنه؟ وهذا ما أشار إليه بقوله : «ولا ينحصر الدليل على الخبر بالإجماع» ، وقد أجاب المصنف عن هذا الوجه : بأن الدليل لا ينحصر بالإجماع ، كيف؟ وقد عرفت : قيام السيرة على العمل بخبر الواحد في قبال عمومات الكتاب.
الثالث : ما دل من الأخبار على وجوب طرح الخبر المخالف للكتاب من الأخبار ، وضربه عرض الجدار ، وأنها زخرف ، ومما لم يقله الإمام «عليهالسلام» ، وهي كثيرة جدا ، وهذه الأخبار تشمل الأخبار المخالفة لعمومات الكتاب ومطلقاته أيضا ، وعليه : فكيف يمكن تخصيصها أو تقييدها بها؟ وهذا ما أشار إليه بقوله : «والأخبار الدالة» ، وقد أجاب عن هذا الوجه بوجوه :
١ ـ أن المراد بالمخالفة هي غير المخالفة بنحو العموم والخصوص ؛ لأنها ليست مخالفة بنظر العرف. ولا يرى العرف تناف بين الدليلين إذا كانا كذلك.
٢ ـ أنه لو سلّم صدق المخالفة ـ التي هي موضوع الأخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب ـ على المخالفة بالعموم والخصوص ، ولم نقل باختصاصها بالمخالفة على نحو التباين فلا بد من تخصيص المخالفة بغير المخالفة بالعموم والخصوص ؛ وذلك للعلم بصدور أخبار كثيرة مخالفة للكتاب بالعموم والخصوص ، وجريان السيرة على العمل بها في مقابل عمومات الكتاب ، ولا يكون ذلك إلا لتخصيص المخالفة بالمخالفة على نحو التباين وإخراج المخالفة بالعموم والخصوص المطلق عن المخالفة ؛ إذ لو لم نقل بهذا التخصيص يلزم طرح كثير من الأخبار التي علم بصدورها عن المعصومين «عليهمالسلام» ، فالنتيجة هي : أن الخبر المخالف للكتاب بغير المخالفة على نحو التباين ليس مشمولا للأخبار الدالة على طرح الخبر المخالف.
٣ ـ «قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله «تبارك وتعالى» يعني : أنه يحتمل أن يراد بالمخالفة في تلك الأخبار : المخالفة للحكم الواقعي الذي كتبه الله تعالى على عباده ؛ بأن يكون الواجب طرحه هو الخبر المخالف للحكم الواقعي ، لا المخالف لظاهر الكتاب ، فخبر الواحد المخالف لظاهر الكتاب يحتمل أن يكون موافقا للحكم الواقعي ، ومع هذا الاحتمال لا يحرز كونه مخالفا للحكم الواقعي حتى تشمله الأخبار الآمرة بطرح ما خالف الكتاب ، فلا يصح التمسك بها لطرحه ؛ لكونه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، وهو غير جائز عند المحققين.