فاعلم : أن النسخ وإن كان رفع الحكم الثابت إثباتا ، إلا إنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا ، وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره ، أو أصل إنشائه وإقراره ، مع إنه بحسب الواقع ليس له قرار أو ليس له دوام واستمرار وذلك (١) لأن النبي
______________________________________________________
رفعا ، فلا محذور فيه سواء كان قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ أم كان بعد وقت العمل به.
ومن هنا يعلم : أن الغرض الداعي إلى تعرّض المصنف لمعنى النسخ هو : التنبيه على خطأ ما اشتهر بينهم من اشتراط النسخ بحضور وقت العمل بالحكم المنسوخ.
وتوضيح ما أفاده المصنف : أن النسخ وإن كان رفعا للاستمرار الذي اقتضاه إطلاق دليل الحكم في مقام الإثبات ؛ لكنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا ؛ لعدم المقتضي لاستمراره ؛ إذ مع وجود المقتضي له لم يكن وجه لرفعه ، فالناسخ كاشف عن عدم المقتضي لبقاء الحكم ودوامه. فقوله : «إثباتا» قيد للرفع ، يعني : أن النسخ وإن كان رفع الحكم الواقعي الأولي أو الثانوي في مقام الإثبات ؛ لكنه في الحقيقة دفع له ؛ لكشفه عن عدم المقتضي لثبوته.
قوله : «وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره» إشارة إلى : دفع توهم ، فلا بد أولا من توضيح التوهم ؛ كي يتضح ما أفاده المصنف في مقام الدفع عنه.
وأما توضيح التوهم : فهو أنه مع عدم المقتضي لتعلق الإرادة الجدّية باستمرار الحكم أو بأصل إنشائه لا فائدة لأمر النبي «صلىاللهعليهوآله» أو الولي «عليهالسلام» بإظهار الدوام لو كان النسخ بعد حضور وقت العمل ، أو إظهار أصل إنشائه لو كان النسخ قبل حضور وقت العمل.
وحاصل ما أفاده المصنف في مقام الدفع : أن المقتضي لإظهار إنشاء الحكم أو دوامه موجود ، فيكون أمر النبي «صلىاللهعليهوآله» أو الولي «عليهالسلام» بإظهار أصل إنشاء الحكم أو دوامه مع الحكمة والفائدة المقتضية له ، فليس أمر النبي «صلىاللهعليهوآله» بإظهار الدوام أو أصل إنشاء الحكم بلا فائدة.
(١) هذا تقريب كون النسخ دفعا ثبوتا ورفعا إثباتا ، وأن دليل النسخ شارح لدليل تشريع الحكم الظاهر في كون مدلوله مرادا بالإرادة الجدية ، ومبيّن له ، بأنه مراد بالإرادة الاستعمالية لمصلحة اقتضت ذلك ، فربما يلهم النبي «صلىاللهعليهوآله» أو يوحي إليه أن يظهر أصل تشريع الحكم أو استمراره ، مع اطلاعه على أنه ينسخ في المستقبل ، أو عدم اطلاعه على ذلك ؛ لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علم الله تعالى ؛ لكونه «صلىاللهعليهوآله» ممكن الوجود المستحيل أن يحيط بواجب الوجود ، ومن المعلوم : أن علمه