الذي هو من أعظم العوالم الربوبية ، وهو أم الكتاب ، يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها ، كما ربما يتفق لخاتم الأنبياء ، ولبعض (١) الأوصياء ، كان عارفا بالكائنات كما كانت (٢) وتكون.
نعم (٣) ؛ مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الأحكام ، تارة : بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام ، مع أنه في الواقع له غاية وأمد يعيّنها بخطاب آخر ، وأخرى (٤):
بما يكون ظاهرا في الجد ، مع إنه لا يكون واقعا بجد ؛ بل لمجرد الابتلاء والاختبار ، كما أنه يؤمر وحيا أو إلهاما بالإخبار بوقوع عذاب أو غيره ممّا لا يقع ، لأجل حكمة في هذا الإخبار أو ذاك الإظهار ، فبدا له تعالى بمعنى : أنه يظهر ما أمر نبيّه أو وليّه بعدم إظهاره أوّلا ، ويبدي ما خفي ثانيا (٥) وإنما نسب إليه تعالى البداء ، مع أنه في
______________________________________________________
المشروط وشرطه ، والمقيد وقيده ، ويكون عارفا بالكائنات من ماضيها وحالها ومستقبلها.
(١) المراد به : الأئمة الاثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر.
(٢) أي : كما كانت الكائنات الماضية ، وتكون الكائنات في المستقبل والحال. يعني : يعلم بعض الأوصياء الكائنات لاتصاله باللوح المحفوظ.
(٣) يعني : نعم ؛ مع علمه بالواقعيات ـ على ما هي عليه ـ لا مانع من أن يوحى إليه حكم يكون ظاهرا في الاستمرار ، مع كونه موقتا واقعا يعيّن أمده بخطاب آخر ، فالغرض من قوله : «نعم مع ذلك» : أنه مع العلم بالواقعيات يمكن أن تكون مصلحة من وحي حكم يكون بحسب الدليل ظاهرا في الاستمرار ، مع كونه موقتا بوقت يعيّنه بعد ذلك بخطاب آخر ، كما أنه قد تكون المصلحة في أن يوحى إليه بحكم يكون ظاهرا في الجد ، مع عدم كونه كذلك ؛ بل لمجرد الابتلاء والاختبار.
كما أنّه قد تكون المصلحة في الأمر وحيا أو إلهاما بالإخبار بوقوع عذاب أو غيره من الأمور التكوينية ، مع عدم وقوعه في الخارج ، ثم يظهر ما أمر نبيّه أو وليه بعدم إظهاره أولا ، ويبدي ما خفي ثانيا ، ويسمى إظهار ما خفي بداء ، ولا ضير فيه أصلا من غير فرق في ذلك بين تعلق إظهار ما خفي بالتشريع والتكوين ، فالبداء مطلقا سواء كان في التشريعيات أم التكوينيات هو إظهار ما خفي ، والبداء بهذا المعنى لا يستلزم محذورا عقليا ، كما في «منتهى الدراية ج ٣ ، ص ٦٦٧».
(٤) يعني : وأخرى يوحي بحكم يكون ظاهرا في الجد ، مع عدم كونه واقعا كذلك.
(٥) أي : ما خفي أولا من عدم استمرار الحكم ، أو عدم الإرادة الجدية في التشريعيات ، أو عدم وقوع ما أخبر بثبوته أولا.