وبالجملة : النكرة ـ أي : ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلّية ، لا الفرد المردّد بين الأفراد ، وذلك (١) لبداهة : كون لفظ رجل في «جئني برجل» نكرة ، مع أنه (٢) يصدق على كل من جيء به من الأفراد ، ولا يكاد يكون واحد منها (٣) هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد ، لو كان هو المراد منها ، ضرورة : أن كل واحد هو هو (٤) لا هو أو غيره ، فلا بد (٥) أن
______________________________________________________
فيكون المراد ب «رجل» في قوله : «جئني برجل» حصة من الرجل ، والحصة كلية تنطبق على كثيرين ، وليس المراد بها فردا مردّدا ؛ إذ لو كان كذلك لامتنع صدقه على الخارجيات كما عرفت.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية» : قوله : «أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة» أي : الألفاظ التي تحمل النكرة عليها بالحمل الشائع مثل : «رجل ، إنسان ، ماء» فيقال : «رجل نكرة ، وإنسان نكرة ، وماء نكرة» ، فإن مفهوم رجل مغاير لمعنى المحمول أعني : نكرة ، نظير : «زيد إنسان» في تغاير الموضوع والمفهوم مفهوما واتحادهما وجودا كما هو الملاك في الحمل الشائع. وأما الحمل الأوّلي : فهو حمل النكرة على مفهومها مثل أن يقال : «الطبيعة المقيدة بالوحدة نكرة».
وبالجملة : فالنكرة إما فرد معين واقعا عند شخص وغير معين عند غيره كالمخاطب مثلا : «رجل» في (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) .. ولذا يحتمل عند المخاطب صدقه على زيد وعمرو وغيرهما. وإما حصة من الطبيعة مقيدة بالوحدة مثل : «رجل» إذا وقع في حيّز أمر أو نهى ، كما في «جئني برجل» ، وهذا كان يقبل الصدق على كثيرين. بخلاف الأول ، لأنه فرد معين لا يصدق على كثيرين. واحتمال انطباقه على كثيرين ناشئ عن جهل المخاطب.
(١) تعليل لكون النكرة أحد المعنيين المذكورين ، لا الفرد المردد كما عرفت.
(٢) أي : مع إن «رجل» يصدق على كل فرد جيء به.
(٣) أي من الأفراد ، يعني : لو كانت النكرة الفرد المردد لزم أن يصدق فرد ـ كزيد ـ أنه هذا أو غيره مع وضوح بطلانه ؛ لأن كل فرد من الأفراد متعين لا مردد. وضمير «منها» راجع إلى النكرة.
قوله «ضرورة» تعليل لقوله : «ولا يكاد يكون».
(٤) أي : هو نفسه وشخصه ، لا هو أو غيره ، لأن التشخّص والتعين يمنع عن التردد.
(٥) هذه نتيجة إبطال الفرد المردد ، يعني : فبعد إثبات امتناع إرادة الفرد المردد من النكرة ؛ لا بد من الالتزام بكون النكرة الواقعة في حيّز الأمر ـ كقوله : جئني برجل ـ