ومعه (١) لا وجه لتخصيص العنوان ، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى ، كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي ، فيعمّ الغيري إذا كان
______________________________________________________
١ ـ التحريمي ، نحو : «لا تأكل أموال اليتامى ظلما».
٢ ـ التنزيهي ، نحو : «لا تكن في مواضع التهمة».
٣ ـ النفسي ، نحو : «لا تشرب الخمر».
٤ ـ الغيري ، كالنهي عن فعل الصلاة بعد الأمر بالإزالة ، حيث يكون تركها واجبا مقدمة للإزالة ، ففعلها يكون منهيا عنه بالنهي الغيري.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المتبادر من لفظ النهي وإن كان هو خصوص النهي المولوي التحريمي النفسي دون الإرشادي والتنزيهي والغيري ؛ ولكن المراد به في هذه المسألة أعم منه ، فيشمل التنزيهي والغيري ، والقرينة على إرادة الأعم هو عموم ملاك البحث ؛ وهو منافاة المرجوحية لصحة العبادة ، وذلك لاقتضاء العبادة المحبوبية ، والكراهة المبغوضية ، ومن المعلوم : تضادّ الحب والبغض ، فلا تجتمع الصحة في العبادة مع الكراهة ، هذا ما أشار المصنف إليه بقوله : «إلّا إن ملاك البحث يعمّ التنزيهي» ، والمراد بالملاك هنا هو : التنافي بين ما يقتضيه النهي ـ أعني : المرجوحية ـ وبين الصحة ، وهذا الملاك يكون قرينة على إرادة خلاف ظاهر النهي أعني : التحريمي المولوي ، وأنّ المراد به هنا ما يعمّ التنزيهي.
(١) أي : ومع عموم ملاك البحث للنهي التنزيهي لا وجه لتخصيص العنوان بالنهي التحريمي ، كما صنعه في التقريرات ، قال فيها في أوائل بحث اقتضاء النهي للفساد :
«الثاني : ظاهر النهي المأخوذ في العنوان. هو النهي التحريمي ، وإن كان مناط البحث في التنزيهي موجودا ؛ وذلك لا يوجب تعميم العنوان» (١). والمصنف يقول ردّا على التقريرات : إنّه لا وجه لتخصيص العنوان بالتحريمي مع عموم ملاك البحث.
قوله : «واختصاص عموم ملاكه ...» إلخ إشارة إلى توهم ، وتقريب التوهم : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٢٤٨» ـ أن عموم الملاك يختصّ بالعبادات ؛ لأن المرجوحية المستكشفة عن النهي ـ تحريميّا كان أو تنزيهيّا ـ إنّما تنافي صحة العبادة لأنّها تستدعي المحبوبية المنافية للمرجوحية ، دون المعاملة ، إذ لا ملازمة قطعا بين النهي التنزيهي وبين الفساد فيها ، فلا تنافي مرجوحيتها صحتها ، وحيث لا يشمل عموم الملاك المعاملات ، فبما أنّ النهي التحريمي مطرد في العبادات والمعاملات ، فيكون عدم اطّراد عموم الملاك في المعاملات قرينة على إرادة التحريمي من النهي المذكور في العنوان.
__________________
(١) مطارح الأنظار ، ج ١ ، ص ٧٢٨.