ودعوى : أنّه لا يمتنع أن ينصب المتكلم قرينة لا يعرفها سوى من قصد إفهامه ، وعليه فلا يمكن لمن لم يقصد إفهامه أن يحتجّ بكلام المتكلم على تعيين مراده إذ لعله نصب قرينة خفية عليه علمها المخاطب فقط ، فالتفصيل بين من قصد افهامه وبين من لم يقصد إفهامه متين. (١)
مندفعة : بأنّ محل الكلام ليس فيما إذا كان مقصود المتكلم إلقاء رموز لا يعلمها إلّا المخاطب حتى لا يتمكن غير من قصد إفهامه من أن يتمسك بظاهر الكلام من دون إحراز الرموز التى بين المتكلم والمخاطب ، بل محل الكلام فيما إذا صدر من المتكلم كلام متوجه إلى مخاطب لا بما هو مخاطب خاص ؛ إذ غرض الشارع ليس إلّا بثّ الأحكام بين الناس ، ومن المعلوم أن احتمال الرموز حينئذ في مثل تلك الأحكام الصادرة لا مجال له وخروج عن محل الكلام. هذا مضافا إلى أنّ المفروض أنّ غرض الرواة من نقل الروايات والآثار أو غرض الناقلين من نقل القوانين المسموعة من المقنين للناس هو أخذ الناس بها والعمل بها وعليه فلو كانت قرائن خفية خاصة بهم بين المتكلم والمخاطب لزم عليهم أن يذكروها وإلّا نقضوا غرضهم إذ لم يتمكن غيرهم منها وحيث إنّهم لم ينقلوا قرائن خاصّة فيمكن لغيرهم أن يأخذوا بظواهر ما سمعوا منهم وعليه فلا وجه للتفصيل المذكور كما لا يخفى. ثم انّ الظاهر من سيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدسسره هو التفصيل حيث قال في محكي كلامه والذي يختلج بالبال الإشكال في تحقق هذا البناء إلّا إذا حصل الاطمئنان عادة بعدم وجود القرينة فإنّ هذا في الحقيقة خارج عن مورد البحث ويكون بحكم القطع والكلام واقع في مورد الشك والاحتمال العقلائى والذى أراده عدم جريان أصالة عدم القرينة هنا إذا ليس أصلا متبعا عند العقلاء في هذا المورد ولعلّ هذا مراد المحقق القمي قدسسره حيث خصّ الكلام بالمقصود بالإفهام فإنّ الظاهر أو المحتمل أن يكون نظره إلى ما حققناه من عدم تبيّن الظهور الصادر من المتكلم إذا لم يكن الشخص مقصودا بالإفهام وكلامه وان كان مطلقا لكن الظاهر تقييده بما إذا لم
__________________
(١) منتهى الاصول ٤ : ٢١٦.