بل الجهات المتداولة في زماننا هذا تكون كذلك ؛ لأنّ الموارد التي كانت موردا للابتلاء في الأزمنة السابقة لا خصوصية لها ، بل الجهة بما هي جهة كانت منظورة للعقلاء والأمور المذكورة من باب المصداق. وعليه فملكية الشركات العامة أو الخاصة مما تداولت في زماننا هذا أيضا مورد الإمضاء والتقرير.
ثمّ إنّ السيرة العقلائية قابلة للرّد فيجوز للشارع أن يردعها لأنّها ليست كالقطع حتّى تابى عن الردع لما عرفت من أنّها ليست بكاشفة بل هي عمل
ولكن الردع عنها لزم أن يكون بنحو التصريح حتى يوجب التفات العقلاء بأنّ طريقتهم وسيرتهم مردودة ولذا قلنا بأنّ العموم لا يكفي في ردع السيرة لأنّهم لا يرون طريقتهم مشمولة للعموم فمثل قوله تعالى إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا بناء على تسليم دلالتها على عدم حجّية الظنون في المسائل الفرعيّة لا يكفي في ردع طريقة العقلاء على الاعتماد على خبر الثقات لأنّهم لا يرون أنفسهم ظانّين حتى يشملهم العموم المذكور فتدبر جيدا.
هذا كله بالنسبة إلى السيرة العقلائية التي كانت في مرأى ومنظر الشارع ، وأمّا السيرة والبناءات المستحدثة فالمشهور أنّه لا دليل على حجيتها ولكن ذهب بعض الأعلام إلى أن البناءات العقلائية المستحدثة إذا فحص في الأدلّة ولم يوجد شيء يصلح للردع عنها تكون حجّة أيضا لأنّ بناء الشارع على التقرير أو ردع البناءات لا يختص بزمان خاص كزمانه بل هو في مقام تصحيح أو ردّ البناءات في جميع الأزمنة وعليه فاللازم عليه أن يردع البناءات المستحدثة إذا لم تكن موردا لقبوله وحيث فحصنا ولم نر شيئا يصلح للردع كفى ذلك في تقريره إيّاها فتكون حجّة فليتأمّل.
ثم لا حاجة في حجّية السيرة العقلائية إلى الإمضاء بل يكفي فى الحجّية عدم الردع لأنّ العقلاء يكتفون بذلك في أحكام الموالى والعبيد وهذا أمر شايع ولم ينقل عن الشارع اعتبار الإمضاء وعدم الاكتفاء بعدم الردع وهو يشهد على أن الشارع يكتفي في الحجية بعدم الردع ، فتدبّر جيّدا.