عنوان الانذار لا يمكن الالتزام بهذا التقييد ؛ فانه تقييد بفرد نادر ، وهو مستهجن. (١)
والحاصل : أن الاصل في الكلام في غير المخترعات الشرعية التي لا يكون المتكلم احيانا في مقام بيانها هو الحمل على الاطلاق كما عليه بناء العقلاء ، فلا وجه لعدم الاطلاق في المقام ؛ لانه ليس من المخترعات الشرعية كالصلاة والحج ونحوهما.
لا يقال : أن هذه الآية مربوطة بباب الجهاد من جهة السياق ؛ فان سورة براءة مرتبطة بالمشركين والجهاد معهم ، ومن المعلوم أن النفر الى الجهاد ليس للتفقه والانذار ، نعم ربما يترتبان عليه بعنوان الفائدة بناء على ما قيل من أن المراد حصول البصيرة في الدين من مشاهدة آيات الله وظهور أوليائه وغلبتهم على اعدائه وسائر ما يتفق في حرب المسلمين مع الكفار من آيات عظمة الله وحكمته فيخبروا بتلك الامور عند رجوعهم الى الفرقة المتخلفة الباقية في المدينة. وعليه فالانذار ليس غاية للنفر الواجب حتى تجب الغاية بوجوب ذيها وهو النفر ، بل الانذار من قبيل الفائدة المترتبة على النفر الى الجهاد احيانا.
لانا نقول : لا معيّن لكون النفر للجهاد ؛ اذ مجرد السياق لا يدل على ذلك ، قال الشيخ الأعظم قدسسره ليس في صدر الآية دلالة على أن المراد النفر الى الجهاد ، ومجرد ذكر الآية في آيات الجهاد لا يدل على ذلك.
هذا ، مضافا الى انه لو سلم أن المراد النفر الى الجهاد لكن لا يتعين أن يكون النافر من كل قوم طائفة لاجل مجرد الجهاد ، بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعين أن ينفر من كل قوم طائفة ، فيمكن أن يكون التفقه غاية لا يجاب النفر على طائفة من كل قوم ، لا لا يجاب اصل النفر. (حاصله : أن المطلوب متعدد ، أي اصل النفر لاصل الجهاد ونفر الطائفة للتفقه. وعليه فالتفقه غاية لايجاب النفر على الطائفة).
على أنه قد فسر الآية بأن المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم الى الجهاد ، كما يظهر من قوله (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) وامر بعضهم بأن يتخلفوا عند النبي صلىاللهعليهوآله ولا يخلوه
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٢ ص ١٨٤ ـ ١٨٥.