لا يقال : إنّ اختلاف العلماء في الآراء مما يشهد على أنّ اختلاف الفهم من الكلام أمر جائز بل واقع ، فالظنون الشخصيّة حجّة كالقراءات المختلفة.
لأنا نقول : ليس اختلاف العلماء فى الآراء اختلافا في الظنون الشخصيّة ، بل هو اختلاف في دعوى الظنون النوعية ، ويكون مبنيا على رعاية الظوابط والقواعد الكلّية التي لها مدخلية فى الاستظهار والاستنباط والفرق بين هذا الاختلاف والظنون الشخصيّة التي لا تكون مبتنية على رعاية الضوابط والقواعد المدونة واضح.
ثم لا يخفى أنّه لا ممانعة من إعمال التعمق الزائد في النصوص والظواهر العرفية لكشف المطالب واستنباط ما يحتاج اليه في كل عصر وزمان ، وإنّما الممانعة من ترتيب الأثر على الظنون الشخصيّة التي لا تكون مبنية على القواعد والاصول العقلائية ؛ إذا لا حجيّة لتلك الظنون ، بل تحميل هذه الظنون الشخصية على النصوص والظواهر الدينية هو التفسير بالرأي الذي نهي عنه اكيدا في الشرع الانور كما لا يخفى ، مع أنّ اللازم في فهم المعاني هو تخلية الذهن لا مدخلية الذهن ، وكم من فرق بينهما؟!
ولعل المنشأ في ذهاب بعض تبعا لجمع من الاوربيين إلى اعتبار الظنون الشخصيّة في زماننا هذا هو التمايل إلى نسبية الحقائق وإنكار ثبوتها ودوامها حيث قالوا : إنّ فهم الإنسان بالنسبة إلى المتون وتفسيرها أو بالنسبة إلى جميع الحقائق فهم نسبيّ ، ومعنى ذلك أنّه ليس لنا فهم قطعي ثابت ؛ لأن الثبوت ينافي النسبية وهو خلاف البداهة والضرورة ؛ إذ لنا معلومات يقينية وضروريّة من العقليّات والشرعيّات.
نعم لا يخلو فهم الإنسان عن التكامل ، ولكنه لا ينافي ثبوت أصل الفهم في الجملة ؛ لأنّ المتكامل يحتوي ثبوت أصل الشيء ، وإنّما زادت مراتبه بسبب الشواهد والتعمق فيه والنقض والإبرام. هذا مضافا إلى أنّه لا يخرج الكلام المتكامل عن الظنون النوعيّة كما لا يخفى.
على أنّه لو لم يكن فهم الحقائق أمرا ثابتا فلا يمكن الاعتماد على شيء من المطالب حتى الادعاء المذكور ، ولا مجال للبحث ولا للاحتجاج ؛ فإنّ هذه الأمور متوقفة على ثبوت الحقائق.