وبالجملة فللمعاني في اللغة والعرف مع قطع النظر عن فهم المخاطب ثبوت مستقل ، واللازم على المخاطب أن يفهمها من خلال معرفة معاني الألفاظ بحسب القواعد المذكورة في اللغة والعرف. ولا تختلف المعاني المقصودة بالنسبة إلى الآحاد والأشخاص بعد اعتبار الظنون العرفية في حجية الألفاظ. نعم قد لا يفهمها بعض الناس من جهة التقصير أو القصور في مقدمات فهمها فحينئذ يختلف الأفهام بالنسبة إلى المقاصد والمرادات ، ولكن بعضها صحيح وبعضها باطل ، ولا يتصف جميعها بالصحة والحجيّة ، كما لا يخفى.
ولذلك لا يكون الذين لم يدركوا مرادات المتكلم من جهة تقصيرهم معذورين ؛ لأنّهم اكتفوا بما ليس بحجّة ، ومجرد الفهم الناقص لا يعطي الحجيّة للألفاظ ، ولا يوجب رفع العقوبة عن مخالفة الواقع ومرادات المتكلم ، كما لا يخفى.
على أنّه لو لم يكن فهم الحقائق أمرا ثابتا فلا يمكن الاعتماد على شيء من المطالب حتى الادعاء المذكور ، ولا مجال للبحث ولا للاحتجاج ؛ فإنّ هذه الامور متوقفة على ثبوت الحقائق.
ثم إنّا لا نخالف مع لزوم السعي في فهم المرادات ، بل نؤكّد على ذلك ، ولا نقول بأنّ ما نفهمه بعد السعى إذا كان غير ما فهمه الأصحاب قبلا ليس بحجّة ، بل نقول بأنّه حجة لو لم يخرج الاستنباط الجديد عن الظهورات النوعيّة والضوابط والقواعد الأدبيّة ، ولذا ذهب الفقهاء إلى الأخذ بالفهم الجديد المبني على الاصول والضوابط إذا كان تاما كما في منزوحات البئر.
ولا يقاس الفهم غير المبني على الاصول والضوابط بالفهم المبني عليها ؛ لفقدان الحجيّة في الأوّل دون الثاني. وعليه فدعوى صحة كل فهم ولو كان مبنيا على الظن الشخصيّ وتسميته بقراءة جديدة من المعاني خالية عن التحقيق ، بل هي مغالطة وسفسطة أعاذنا الله منها.
ولا ندّعي أنّ كل فهم من المعاني والحقائق يكون ثابتا غير متغير لظهور ضعف بعضه أو بطلانه ، ولكن نمنع أن يكون جميعها كذلك ، فالتغيّر والتّبدل مقبول بنحو الموجبة الجزئية