الاطمئنان احيانا بسبب كثرة الوسائط ويعتضد ذلك أيضا بوقوع التعبد بتقديم أخبار ثقات الشيعة على اخبار ثقات العامة عند اختلافهما مع أنه لا فرق بينهما عند العقلاء ، كل ذلك شاهد على أن اعتبار الأخبار من باب الامضاءات لا الارشاد ، وإلّا فلا مجال لهذه التصرفات التعبدية ، كما لا يخفى.
وأيضا لو كانت حجية الأخبار من باب بناء العقلاء فلا حاجة الى إتعاب النفس في الاستدلال بالأخبار ، بل يكفي فيها عدم الردع ، كما هو الواضح.
ثم إنا لا نضايق من وجود بناء العقلاء على الاعتماد على أخبار الثقات ، ولكن نقول لا وجه لحمل ادلة اعتبار الأخبار على الارشاد ، بل اعتبار الأخبار من باب التعبد ، والمستفاد منها هو الاعم مما عليه بناء العقلاء ، كما عرفت.
ومما ذكر يظهر أنه لا وجه لحمل سيرة المسلمين أيضا على السيرة العقلائية مع اختلافهما في الموارد ، وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.
ولذا يشكل ما أفاده الشيخ قدسسره من أن الانصاف أن الدال من الأخبار لم يدل إلّا على وجوب العمل بما يفيد الوثوق والاطمئنان بمؤداه ، وهو الذي فسر به الصحيح في مصطلح القدماء ، والمعيار فيه أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا بحيث لا يعتني به العقلاء ، ولا يكون عندهم موجبا للتحير والتردد. (١)
وذلك لما عرفت من دلالة الأخبار على لزوم العمل بقول الثقات تعبّدا من دون اعتبار حصول الوثوق النوعي والاطمئنان بمؤداه. نعم يصح اعتبار الوثوق والاطمئنان النوعي لو كانت الأخبار ارشادا الى بناء العقلاء ، ولكن المفروض أنّ اعتبار الأخبار تعبد ، وليس بارشاد. نعم يصح اعتبار الوثوق النوعي والاطمئنان بالمخبر ؛ لانّ الثقة لا معنى لها إلّا ذلك ، وأمّا الوثوق بمؤدى خبره فلا دليل له بعد ما عرفت من أن اعتبار الاخبار من باب التعبد.
ولقد أفاد بعض الاعلام حيث قال : أن الاخبار تفيد التعبد بلزوم العمل بقول العدول ،
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ١٠٦.