للواقع ، واخرى تثبت بواسطة حسن الظاهر الذي جعل طريقا للعدالة شرعا ، وثالثة تثبت بشهادة البينة العادلة التي يجوز في حقها الاشتباه ، والصنف الأول يلازم الجزم بصدقه وتحقق المخبر به ؛ لفرض أنه ممن يقطع بعدم كذبه ، نعم قد يحتمل في حقه الاشتباه المنفي بأصالة عدم الغفلة.
وأما الصنفان الآخران فهما ممن يجوز في حقهما الكذب ، إذ حسن الظاهر لا يلازم الوثاقة واقعا ، وهكذا شهادة البينة بالنحو الذي عرفته ، وعليه فالتعبد بالصدق وايجاد التصديق الذي هو واقع حجية الخبر المبحوث انما يصح بالنسبة الى الصنفين الآخرين ، لا بالنسبة الى الصنف الأول للاطمئنان بعدم كذبه كما هو الفرض ، وعليه فلا معنى لحجية خبر الثقة بالمعنى الأول.
ومن الواضح أنّ موضوع الإرجاع في رواياته من الصنف الأول ، فانّ شهادة الامام عليهالسلام بالوثاقة لمن يرجع اليه تلازم القطع بوثاقته ، لعدم جواز الاشتباه في حقه عليهالسلام ، فيكون من قبيل تحصيل الجزم بالوثاقة من المعاشرة ، وفي مثل ذلك لا يتوقف قبول قوله على التعبد ، بل يجزم بصدقه بلا تردد ، فالنصوص المزبورة لا تتكفل التعبد بخبر زرارة أو غيره ، بل تتكفل الارشاد الى وثاقته ، فيترتب عليها القبول عقلا للجزم بصدقه لا تعبدا.
فما نحتاج فيه الى التعبد بخبره لا تتكفله النصوص المزبورة ، وهكذا الحال في مثل «لا عذر لأحد ...» ؛ لأنّ رواية الثقة مستلزمة للجزم ، فلا يعذر تارك العمل بها عقلا ، فهي لا تتكفل جعل الحجية لخبر الثقة ؛ إذ لا معنى لذلك ولا محصل له ، هذا. (١)
ويمكن أن يقال : أن اراد القائل بذلك أن النصوص منحصرة في الصنف الأول من الارجاع الى ثقاتهم ففيه ما لا يخفى ؛ لما عرفت من دلالة النصوص على تقرير العامة في العمل بما روى الثقات عندهم عن علي عليهالسلام كخبر شبيب بن انس وداود بن فرقد ، وأيضا عرفت دلالة النصوص على اعتماد اصحابنا على نقل الثقات ، ولم ينهوا عنه.
وأيضا دل بعض الأخبار على أن وجه النهي عن أخبار غير ثقات العامة هو الخيانة ، ومقتضى ذلك هو جواز النقل عنهم عند انتفاء الخيانة كما لا يخفى.
__________________
(١) منتقى الاصول : ج ٤ ص ٢٩٥ ـ ٢٩٦.