الفطرة لو صار عبدا لمولى آخر من دون أن يخطر بباله أن تكون طريقة هذا المولى في امتثال أوامره غير طريقة المولى السابق ، فكذا الحال في معاملة العبيد مع الموالي الحقيقية ، يعني لا يخطر ببال العامة أنه يريد منهم أمرا جديدا وطريقة مخترعة غير ما هم مجبولون عليه ، فلا يرضى بالعمل بالاطمئنان من قول القائل ، بل لا يرضى إلّا بترتيب الأثر على العلم.
وكذلك لا يخطر ببالهم أن حجية هذا الارتكازي موقوف على عدم منع المولى ، فهم غافلون على هذا التقييد صغرى وكبرى ، فالحاصل عندهم هو الحجية التنجيزية الاطلاقية ، فلهذا لو ورد من الشارع النهي عن العمل بالظن ينصرف نظرهم الى غير هذا الاطمئنان ، فيقطعون أنه بمنزلة العلم وإن كان غير علم. بل ويعمّمون الحكم المعلق على العلم بالنسبة الى هذا الاطمئنان ، مثل عدم نقض اليقين إلّا باليقين ، فالنقض بهذا الاطمئنان يكون في نظرهم نقضا باليقين.
وبالجملة : لا يدخل في ذهنهم من دليل مثبت للحكم على الظن هذا الفرد ، ويدخل في ذهنهم من الدليل الدال على الحكم في العلم هذا الفرد ؛ والسبب لذلك هو الارتكاز والمجبولية المانعة عن دخول مضاده في أذهانهم ... الى أن قال : هذا هو الحال في عامة الناس المتصفين بالغفلة عن تصور خلاف مرتكزهم.
وأمّا الملتفتون وهم الشاذ القليل من الناس فهذه الطريقة وإن كان ليست في نفسها حجة لهم ؛ لاحتمالهم الخطأ في حقهم لعدم كونهم معصومين ، ولكن يثبت الحجية عند تحقق الارتكاز عندهم أيضا بالبرهان.
وهو أن يقال : إنّه لو كان للشارع طريقة جديدة غير ما الناس مجبولون عليه ويكون خلافه مغفولا عندهم والنهي عن العمل بالظن على وجه العموم منصرفا عندهم عما ارتكز حجيته عندهم أو مخصصا قطعيا بغيره لكان يجب على الشارع التنصيص على اظهار أنه مريد منهم خلاف هذا الطريق المعمول ، كما هو المشاهد في المرتكزات في الجاهلية التي خطّأها الشارع بالابلاغات الصريحة الاكيدة والايعادات بأنواع العذاب ؛ فان صرف