ولقد أفاد وأجاد شيخنا الاستاذ الاراكي قدسسره حيث قال : لا شك في استقرار طريقة العقلاء على العمل بالخبر المفيد للاطمئنان ولو لم يكن الناقل ثقة ولكن حصل الوثوق بالصدق من أجل امارة خارجية وجرت عادتهم على ذلك في امورهم العادية ، وهذا ثابت في غير فرق المسلمين من أهل الملل ، بل ومن غيرهم ممن لا يتدين بدين كالدهري ، فانه لو اطمأن الدهري بانّ سفر البحر وركوب السفينة لا يوجب الغرق لنفسه وماله وحصل له هذا الاطمئنان من أخبار المخبرين فهو يقدم على هذا السفر مع أنه محتمل مع ذلك للغرق ولكن لا يعتني به بل يعامل معاملة المعدوم.
وكذلك الحال في معاملة العبيد مع مواليهم ، فلو حصل الاطمئنان للعبد بانّ مولاه أراد الركوب وأراد ركوبه معه في ركابه وحصل له ذلك بنقل ناقل مع وثوق الناقل أو ضميمة أمارة خارجية يركب بمجرد ذلك ويذهب الى مقرّ المولى ، بحيث لو لم يركب وكان المولى مريدا واقعا لم يكن معذورا. وبالجملة فمجبولية العقلاء واقتضاء فطرتهم ذلك في جميع امورهم مما لا يقبل الانكار. (١)
لا يقال : أن الآيات الناهية عن العمل بالظن تصلح للرادعية عن الوثوق النوعي ، وبالجملة فنحن وأن كنّا نسلّم جريان بناء العقلاء على حجية الاطمئنان النوعي من الخبر ، إلّا أن موضوع حجية بناء العقلاء مقيد بعدم ردع الشرع ، فالادلة الناهية عن العمل بغير العلم الواردة من الشرع واردة على بناء العقلاء لكونها ردعا ، فلا يبقى معها موضوع الحجية في بناء العقلاء.
لأنّا نقول ـ كما أفاد شيخنا الاستاذ الاراكي قدسسره ـ أن المرتكزات العرفية تكون بحيث يغفل عن كون حجيتها مقيدة بعدم منع الشرع نوع النفوس ، فالارتكاز مانع عن خطور خلافه في ذهن النوع ، فالعبد كما يعامل مع مولاه في أحكامه وأوامره بالعمل فيها على الاطمئنان الحاصل من قول القائل على حسب فطرته كذلك هو باق على مقتضى هذه
__________________
(١) اصول الفقه : ج ١ ص ٦١٦.