أما الصغرى وهي أن مخالفة المجتهد لما ظنّه مظنة للضرر فلأنّ الظن بالوجوب ظنّ باستحقاق العقوبة على الترك كما أنّ الظن بالحرمة ظن باستحقاق العقوبة على الفعل أو لأنّ الظنّ بالوجوب ظن بوجود المفسدة في الترك كما أن الظن بالحرمة ظنّ بالمفسدة في الفعل بناء على قول العدلية بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.
وأمّا الكبرى وهو وجوب دفع الضرر فهو حكم الزامي عقلي يدركه كل عاقل بحيث لو تخلف عنه استحق العقوبة والمذمة ، ولذا استدل به المتكلمون على وجوب شكر المنعم ووجوب النظر في المعجزة ولزوم استماع دعوى النبي أو الولي ، كما لا يخفى.
أورد عليه الشيخ الأعظم قدسسره بأنّ الصغرى ممنوعة سواء كان المراد من الضرر المظنون هو العقوبة أو المفسدة.
أمّا إذا كان المراد من الضرر المظنون هو العقوبة فلانّ استحقاق العقاب على الفعل أو الترك كاستحقاق الثواب عليهما ليس ملازما للوجوب والتحريم الواقعيين ، كيف وقد يتحقق التحريم ونقطع بعدم العقاب في الفعل كما في الحرام والواجب المجهولين جهلا بسيطا أو مركبا ، بل استحقاق الثواب والعقاب إنّما هو على تحقق الاطاعة والمعصية اللتين لا تتحققان إلّا بعد العلم بالوجوب والحرمة أو الظنّ المعتبر بهما. (١)
وبعبارة أخرى : استحقاق العقاب من آثار تنجز التكليف لا من لوازم وجوده الواقعي ، ولا يتنجز التكليف إلّا بالوصول ، ومع عدم العلم الوجداني به أو الحجة المعتبرة لا وصول ، ومع عدم الوصول لا تنجز للتكليف الواقعي ، ومع عدم تنجز التكليف الواقعي لا عقاب على مخالفته ؛ لأنه عقاب بلا بيان بحكم العقل ، كما لا يخفى.
والظن الغير المعتبر لا يوجب تنجيز التكليف الواقعي ؛ لأنه ليس ببيان عند العقلاء ، ولا يصل التكليف بالظن الغير المعتبر كما لا يصل بالشك ، فلا ملازمة بين الظن الغير المعتبر بالتكليف وبين الظن بالعقاب ؛ لما عرفت من أن استحقاق العقاب متفرع على تنجز
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ١٠٨.