وعليه فدعوى عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في جميع الموارد المشكوكة بعد ما عرفت من أن الشارع لم يتخذ طريقة أخرى في الامتثال كما ترى.
فتحصّل : أنّ دعوى استقلال العقل بعدم المؤاخذة على الأحكام المشكوكة كما أفاد شيخنا الأعظم غير بعيدة ، ومعه لا يحرز الصغرى لوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل.
قال المحقق العراقي قدسسره : إن كان المراد من الضرر المظنون هو الضرر الاخروي أي العقوبة فالصغرى ممنوعة ، لعدم استلزام الظن بالتكليف للظن بالعقوبة على المخالفة مع حكم العقل الجزمي بقبح العقاب بلا بيان. (١)
ومما ذكرنا يظهر الكلام فيما قيل من أنه لو جاء احتمال العقاب ولو لاحتمال انّ العقلاء والعقل يرون الظن بمنزلة الشبهة البدوية قبل الفحص فالعقاب وإن لم يكن مظنونا بل محتملا ، ولا محالة لا تتم صغرى هذا الدليل لانتفاء الظن بالفرض ، إلّا أنّ مجرد احتماله كاف لوجوب دفعه كما في الكفاية.
وذلك لما عرفت من أنّ مع جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو بناء العقلاء على عدم المؤاخذة في المحتملات من التكاليف أو البراءة الشرعية لا مورد لاحتمال العقاب ، ومع عدم احتمال العقوبة لا مورد لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، كما لا يخفى. قال سيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدسسره : وتنقيحه يستدعى رسم مقدمة هي أن العبد في مقام اطاعة المولى اما أن يشك في التكليف لكنه يعلم انه لو كان ثابتا في الواقع لما امكن ابلاغ المولى اياه المانع عقلى كالخوف وغيره او عادي كالتوهين لمقامه لو اراد طلب العبد واعلامه مقاصده.
او يشك فيه وفي وجود المانع عقليا او عاديا في الابلاغ والاعلام او يشك فيه ويعلم بصدور بعض التكاليف من قبله لكنه عرض الاختفاء لبعض الاسباب الخارجية بحيث لم يكن للمولى في ذلك تقصير.
او يعلم بصدور التكاليف ايضا لكنه يشك فى أن هذا الموضوع هل من مصاديق
__________________
(١) نهاية الافكار : ج ٣ ص ١٤٤.