وراء الضرر الذي ارتكبه ووقع فيه. وعليه فلا يصلح للاستدلال بهذه الكبرى على وجوب التبعية عن الظن بحيث يترتب العقوبة على مخالفة الظن.
ولكن يمكن أن يقال : أن حمل حكم العقل في جميع الموارد على الارشاد مع أن بعض المضار ولو كانت دنيوية مما يحكم العقل بقبح ارتكابها كقتل الشخص نفسه محل تأمل ونظر ، ولعل من هذه الموارد المفاسد المظنونة التي تحوط الانسان بسبب مخالفة الأحكام المظنونة الشاملة لجميع أموره وشئونه ، وعليه فلا يصح حصر حكم العقل في الارشاد بالنسبة الى الضرر الدنيوي.
ثمّ إنّ المراد من حكم العقل هو الاذعان بقبح الاقدام على الضرر ، وهذا الاذعان مما نجده بالوجدان بالنسبة الى بعض الظنون.
ودعوى : أنّ ملاك التقبيح هو بناء العقلاء وبناؤهم على مدح فاعل بعض الأفعال من جهة كونه ذا مصلحة عامة موجبة لانحفاظ النظام ، كما أنّ ذم فاعل بعضها الآخر من جهة كونه ذا مفسدة مخلة بالنظام ؛ ولذا توافقت آراء العقلاء الذين على عهدتهم حفظ النظام بايجاد موجباته واعدام موانعه على مدح فاعل ما يحفظ به النظام وذم فاعل ما يخل به. والاقدام على الضرر الشخصي ليس كذلك ، وعليه فلا يكون قاعدة دفع الضرر قاعدة عقلائية.
مندفعة : بأنّ حكم العقل بقبح فعل أو حسنه ليس من باب المشهورات العقلائية ، بل هو حكم عقلي ناش من قبح الظلم وحسن العدل ، ومن المعلوم انهما لا يتوقفان على الاجتماع وآراء العقلاء ، بل هو ثابت ولو في فرض كون الانسان وحيدا ليس معه غيره.
ثمّ أن المحقق الاصفهاني قدسسره ذهب الى أن الضرر المظنون مما ينفر عنه كل ذي شعور ، ومجرد ذلك لا يجدي في ترتب العقوبة على مخالفة المظنون. (١)
ولا يخفى ما فيه من أنّ ذلك لا ينافي أن يحكم به العقل أو الشرع أيضا في بعض أقسام الضرر كأكل الخبائث ، فانّ النفوس متنفرة عنها ومع ذلك يحكم العقل أو الشرع بتركه لئلا
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٩٦ و ١٩٢ و ٣٠٤.