وإن قلنا بأنّ المانع هو نفس العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة ولو لم يلزم المخالفة العملية ، فلا يجري الاستصحاب المثبت للتكليف في المقام ؛ للعلم بانتقاض الحالة السابقة في الجملة ، كما هو المفروض.
والمقرر في محله أن الجملة الثانية في حديث لا تنقض وهو قوله (ولكن تنقضه بيقين آخر) تأكيد للجملة الاولى ؛ لظهور الجملة الثانية في كون اليقين الآخر يقوم مقام الشك ، ومن المعلوم أنّ الذي يقوم مقام الشك هو اليقين التفصيلي ، لا اليقين الاجمالي ؛ لانه مشوب بالشك ، وعليه فمقتضى دليل الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بالشك مطلقا سواء كان مقرونا بالعلم الاجمالي أولا ، ومع الاطلاق المذكور يجري الاستصحاب مع العلم الاجمالي بالانتقاض أيضا ، ولا يلزم من ذلك التناقض في مدلول دليل الاستصحاب ؛ إذ العلم الاجمالي على الفرض المذكور ليس بناقض ، وانّما الناقض هو اليقين التفصيلي ، والمفروض أنّه مفقود في المقام.
هذا ، مضافا الى ما أفاده في الكفاية من أنه لا مانع من جريان الاستصحاب حتى على القول بأنّ العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة بنفسه مانع عن جريان الاستصحاب ولو لم يلزم منه مخالفة عملية ، بدعوى تناقض حرمة النقض في كل واحد من الاطراف بمقتضى قوله (لا تنقض) مع وجوب النقض في البعض كما هو قضية (ولكن تنقضه بيقين آخر) ، وذلك لأنّ الاستنباط تدريجي ، والمجتهد لا يكون ملتفتا الى جميع الاطراف دفعة ليحصل له الشك الفعلي بالنسبة الى جميع الاطراف ، ويكون جريان الاستصحاب في جميع الاطراف في عرض واحد موجبا للعلم الاجمالي بالانتقاض ، ومع العلم الاجمالي بالانتقاض يلزم التناقض في مدلول دليله من شموله له.
وبالجملة فمع فرض صحة هذا القول ليس له صغرى في المقام مع عدم الالتفات الى جميع الاطراف. (١)
__________________
(١) راجع الكفاية : ج ٢ ص ١٢١ ـ ١٢٢.