وأمّا المقدّمة الثّالثة فلا إشكال في تماميّتها لتنجّز التكاليف بسبب العلم الإجمالي ولا يجوز في مقام الامتثال الاقتصار على المعلوم بالتفصيل وإلّا لزم الخروج عن الدين.
وأمّا المقدّمة الرابعة فهي تامّة بالنّسبة إلى الاحتياط المخلّ بالنّظام لعدم رضا الشّارع بذلك وأمّا بالنّسبة إلى لزوم العسر والحرج من الاحتياط فقد يمنع عدم وجوبه بدعوى عدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط إذا كان الاحتياط بحكم العقل لعدم العسر في متعلّق الحكم الشرعي ولا في نفس الحكم وإنّما العسر من ناحية الجمع بين محتملات التّكليف وهو لا يجب إلّا بحكم العقل والحكم العقلي ليس بمنفي بقاعدة نفي العسر والحرج.
ويمكن أن يقال إنّ المنفي نفس الحرج أو الضّرر من أيّ سبب حصل سواء كان منشأهما هو الحكم الشّرعي أو موضوعه أو الحكم العقلي الاقتضائي كوجوب الاحتياط وهذا هو الظّاهر من تعلّق النّفي بنفس الحرج أو الضرر إذ جعل المنفي وهو الضّرر أو الحرج عنوانا مشيرا إلى الضّارّ أو الموجب للحرج أو الحكم الشرعى خلاف الظّاهر لأنّ لفظ الضّرر أو الحرج اسم مصدر وليس عنوانا لغيره كالضّارّ أو الحكم الشرعي العسري أو الضّرري حتّى يكون النفي راجعا إلى الفعل الضرري أو الحرجي أو الحكم الشرعي وعليه فتمّت هذه المقدّمة.
لا يقال لو كان المراد من نفي الضّرر أو الحرج هو نفي نفس الضرر أو الحرج تشريعا لكان مفاد لا ضرر ولا حرج هو نفي حرمة الضرر أو الحرج وهذا ممّا لم يلتزم به أحد.
وعليه فيدور الأمر بين أن يكون المراد من النفي هو النهي عن الإضرار والضّرر بالغير أو النّفس كما هو الحال في مثل قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ) فإنّ المراد منه نهي المحرم عن هذه الامور حال الإحرام.
أو أن يكون المراد من النفي هو النفي التشريعي بمعنى نفي الحكم الضّرري أو الحرجي في الشريعة وهو الظاهر من أدلّة نفي الحرج والضرر بقرينة ما في بعض الرّوايات من أنّه لا ضرر في الإسلام أو في الدين.