فإنّهما من الأفعال الجوانحية والمصحح لاستعمال الرفع فيها كونها محكومة بالأحكام في الشرائع السابقة وهذه الأحكام ظاهرة في الدوام والبقاء بحسب الإرادة الاستعمالية فإطلاق الرفع باعتبار عمومات توهم بقاء حكمها في عامة الأزمنة فتدبر جيدا. (١)
ومما ذكر يظهر ما في الدّرر حيث ذهب إلى أنّ الرفع في الحديث ليس بمعناه الحقيقي معلّلا بأنّه غير واقع في بعض العناوين المذكورة قطعا بل معناه هو الدفع أو الأعم منه ومن الرفع. (٢)
ولكنّك عرفت إمكان أن يكون الرفع بمعناه الحقيقي في المقام لأنّه مسبوق بوجود حكم بنحو من الأنحاء ولو في مرحلة الإطلاق أو العموم الاستعمالي ثم لا يذهب عليك أنّه لا حاجة إلى ادعاء الوجود حتى يصدق الرفع بل يكفيه وجوده الواقعي أو وجوده بنحو ضرب القانون أو وجوده في الشرائع السابقة ومما ذكر يظهر ما في نهاية الأفكار حيث ذهب إلى لزوم اعتبار وجود الشيء سابقا على الرفع عند وجود مقتضيه ولذلك قال لا مانع من إبقاء الرفع في الحديث الشريف على ظهوره في الرفع الحقيقي في جميع الأمور التسعة حيث إنّه يكفي في صحة إطلاق الرفع فيها مجرد اعتبار وجود الشيء سابقا على الرفع عند وجود مقتضيه بلا حاجة إلى جعل الرفع في الحديث بمعنى الدفع. (٣)
وذلك لما عرفت من كفاية الوجود الإطلاقي والاستعمالي ولا حاجة معه إلى اعتبار وجود الشيء سابقا.
لا يقال : إنّ رفع الحكم لا يساعد جميع الفقرات لأنّ من جملتها هو الحسد والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق وهذه الأمور خصوصا الحسد ليست باختيارية حتى يكون لها حكم وعليه فلا يصح تعلّق الرفع بها باعتبار حكمها.
لأنّا نقول إنّ هذه الأمور وإن كانت بنفسها غير اختيارية ولكنها باعتبار مباديها كانت
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ١٥٢ ـ ١٥٤.
(٢) الدرر : ٤٤٤.
(٣) نهاية الأفكار ٣ : ٢٠٩.