فحيث لم يأمره بالبيان لحكمة لا يعلمها إلّا هو صح إسناد الحجب إليه تعالى هذا في الشبهات الحكمية وكذا الحال في الشبهات الموضوعية فإن الله تعالى قادر على إعطاء مقدمات العلم الوجداني لعباده فمع عدم الإعطاء صح إسناد الحجب إليه تعالى فصحّ الاستدلال بهذا الحديث على البراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية كحديث الرفع. (١)
وإذا عرفت صدق الحجب وعدم التعريف حتى بالنسبة إلى موارد إخفاء الظالمين بترك البيان المجدد فلا حاجة في شمولهما للموارد المذكورة إلى ما ربما يقال من أنه لمّا لم يمكن وقوع فعل إلّا بإرادة الله وإذنه تعالى فيصح إسناد حجب الأشياء أو حجب العلم بها عن العباد إلى الله تعالى وإن كان الحجب المذكور ناشئا عن معصية العصاة في إيجاد أسباب الاختفاء.
مع ما فيه من أنه خروج عن الاستناد بالظواهر واستدلال بما هو مقتضى الأدلة العقلية ومما ذكر يظهر ما في تهذيب الاصول وتسديد الاصول ومباحث الحجج فراجع أو يظهر ما فيما قد يقال من أنّه يمكن التعدي من مورد خبر الحجب (وهو الأحكام الواصلة إلى النبي صلىاللهعليهوآله بتوسيط خطابه إليه التي لم يؤمر من قبله سبحانه بإبلاغها إلى العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فيها إليه سبحانه) إلى غيرها من الأحكام المجهولة التي كان سبب خفائها الأمور الخارجية بمقتضى عدم الفصل بينهما بعد صدق التكليف الفعلي على المضامين الخطابات المنزلة إلى النبي صلىاللهعليهوآله ولو مع عدم الأمر بإبلاغها إلى العباد وبذلك تصلح الرواية لمعارضة ما دل على وجوب الاحتياط (٢) مع ما فيه من أنّ الأخذ بعدم الفصل فيما إذا لم يشمل الدليل وقد عرفت أنّ الحجب وعدم التعريف صادقان بعد إمكان البيان المجدد وامتنع عنه سبحانه تعالى ثم لا وجه لدعوى اختصاص هذه الروايات بالتفصيلات الاعتقادية لإطلاقها وعمومها بالنسبة إلى الأحكام أيضا كما لا يخفى.
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.
(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٢٢٧.