البراءة لو كان موجبا للقطع بعدم العقاب صح التمسك به وإلّا فلا إذ مع بقاء احتمال العقاب بعد جريان الاستصحاب لا مناص من الرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان لسد باب هذا الاحتمال ومعه كان التمسك بالاستصحاب لغوا محضا لأنّ التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان كاف في سدّ باب احتمال العقاب من أول الأمر بلا حاجة إلى التمسك بالاستصحاب.
وعليه فإن بنينا على كون الاستصحاب من الأمارات أو قلنا بحجية مثبتات الاصول حصل منه القطع بعدم العقاب وصح التمسك به إذ عدم المنع من الفعل الثابت بالاستصحاب مستلزم للرخصة في الفعل فإذا فرض ثبوت الرخصة من قبل الشارع بالتعبد الاستصحابي باعتبار كونها من لوازم عدم المنع المستصحب لم يحتمل العقاب فان العقاب على الفعل مع الترخيص فيه غير محتمل قطعا وأمّا لو لم نقل بكون الاستصحاب من الأمارات ولا بحجية مثبتات الاصول كما هو الصحيح فلا يصح التمسك بالاستصحاب في المقام إذ لا يثبت به الترخيص الموجب للقطع بعدم العقاب ويبقى احتمال العقاب فنحتاج إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ومعه كان التمسك بالاستصحاب لغوا.
ولكن هذا الإشكال غير وارد كما أفاد السيّد المحقق الخوئي قدسسره حيث إنّ استصحاب عدم المنع كاف في القطع بعدم العقاب إذ العقاب من لوازم المنع عن الفعل وتحريمه فمع عدم إحراز عدم المنع عن الفعل بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب بلا حاجة إلى إحراز الرخصة التي هي من لوازم عدم المنع ليكون مثبتا. (١)
فتحصل انّ مع إرادة الصدور من الورود وإن أمكن الاستدلال بالحديث المذكور في جريان استصحاب عدم صدور النهي ولكن لا حاجة إلى الحديث حينئذ لجريان الاستصحاب وسيأتي جريان الاستصحاب إن شاء الله تعالى.
هذا كله بناء على أنّ المراد من الورود في قوله عليهالسلام «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» هو الصدور الواقعي وإن لم يصل إلى المكلفين وأمّا إذا كان الورود بمعنى الوصول إلى
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.