كذلك في الجهل البسيط أيضا لكونه هو السبب في الارتكاب بمقتضى حكم عقله بقبح العقاب بلا بيان. (١)
يمكن أن يقال : إنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس من مبادي وجود الشيء اللهمّ إلّا أن يكتفي في السببية بما له المدخلية ولو من جهة عدم المانعية فتحصل أنّ التمسك بهذا الحديث للبراءة تام ولكنه متوقف على أنّ المراد من الجهالة هو الجهل بحكم الشىء واقعا وعدم علم به كما لعله الظاهر لعدم تقيد الأمر المذكور في الرواية بالشك وعليه فمقتضى هذا الحديث الصحيح انّ الإتيان بشيء عن عدم علم وجهالة بحكمه الواقعي لا يوجب شيئا وعليه فهذا الحديث ينافي أدلة وجوب الاحتياط نعم لو كان المراد من الجهالة هو الجهل بمطلق الوظيفة الفعلية يشكل التمسك به كما في نهاية الأفكار للبراءة لورود أدلة الاحتياط حينئذ عليه. (٢) ولكن عرفت أن ظاهر إطلاق الأمر في قوله عليهالسلام أي رجل ركب أمرا يقتضي أن يكون الجهل متعلقا بحكمه الواقعي وعليه فلا يرتفع موضوع هذا الدليل بأدلة وجوب الاحتياط ويكون مفاد هذا الحديث كحديث الرفع في دلالته على البراءة بالنسبة إلى الحكم الواقعي في مرحلة الظاهر هذه عمدة ما استدل به من الأخبار على البراءة والإنصاف هو ظهور بعضها في الدلالة على البراءة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية وعليه فلو تمت أخبار الاحتياط الدّالة على التوقف عند الشبهة وعدم العلم معللا بأنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة كانت تلك الأدلة محكومة لأدلة البراءة إذ لا هلكة مع أخبار البراءة ولو نسلم الحكومة فالأخبار الدالة على الاحتياط إمّا مخصّصة بأدلة البراءة فيما إذا كانت أدلة البراءة أخص لاختصاصها بالشبهة التحريميّة وأدلة الاحتياط أعم من الشبهة الوجوبية وإمّا محمولة على الاستحباب والرجحان عند تساويهما في العموم وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية الكلام.
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٢٢٩.
(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٢٢٩.