ومما ذكر يظهر ما في تنقيح الاصول من أنّ الحق أنّه يتعين القراءة بما في أيدينا من القرآن الذي أخذه المسلمون يدا بيد وصدرا بصدر عن آبائهم خلفا عن سلف ، وهو الذي قامت عليه الضرورة القطيعة ، مثل ضرورة كون صلاة المغرب ثلاث ركعات ؛ ولذا ترى أنّ الموجود منه في جميع الأعصار والأمصار هو هذا القرآن بعينه إلى زمان النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله حتّى من كانت قراءته عنده على خلافه.
فالدليل على تعين القراءة بهذا القرآن هو ما ذكرناه من الضرورة ، والتي يتحقق التواتر من أحد أعشارها ، وأنّه لا يجوز القراءة بغير ذلك من القراءات فإنّه لا يعبأ بها ؛ لاعتمادهم فيها على الاستحسانات أو الاجتهادات اللغوية والنحوية مع أنّ اختلافهم فيها قد يؤدّي إلى الاختلاف في المعنى ، مثل يطهرن بالتخفيف مع يطّهّرن بالتشديد.
وليس الدليل على ما ذكرنا الروايات كي يقال بتجويز القراءة بمالك وملك أو كفوا بالهمزة والواو ، فإنّه لا يجوز القراءة بملك أو بالهمزة في كفوا ؛ لأنّهما ليسا في القرآن. (١)
وذلك لما عرفت من تجويز القراءات الشائعة في عصر الأئمة عليهمالسلام بالتقرير وقيام السيرة ودلالة بعض الروايات عليه وإن لم يكن جميعها من القرآن.
ثم مع جواز القراءة بكلّ واحدة من القراءات الشائعة لا حاجة إلى الاحتياط بتكرار الصلاة مع كل قراءة أو بالجمع بين القراءات في صلاة واحدة بنية القراءة في واحدة منها بحسب الواقع وبنية الثناء في غيرها حتى لا يلزم الزيادة في الصلاة ، كما حكي ذلك عن المحقّق اليزدي الحاج الشيخ عبد الكريم الحائرى قدسسره في الجمع بين مالك وملك في قراءة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
ثم إنّك عرفت أنّ جواز القراءة بكل واحدة من القراءات لا يستلزم جواز الاستدلال بها. ولو سلّمنا جواز الاستدلال بكلّ واحدة منها أيضا ففي موارد التعارض يحمل الظاهر على الأظهر ، ومع التكافؤ لا بدّ من الحكم بسقوطهما عن الحجيّة في مورد التعارض والرجوع إلى غيرهما من الأدلّة والأصول بحسب اختلاف المقامات.
__________________
(١) تنقيح الاصول ٣ / ١٣٤.