لا يقال : إنّ التنافي بين الرعايتين المذكورتين فيما إذا كانت الإباحة الواقعية بالنسبة إلى الفعل أو الترك مقتضية لإطلاق العنان من جميع الجهات سواء كانت من ناحية الإلزامات الصادرة من الله سبحانه وتعالى أو الإلزامات العقلية الأخرى كوجوب الاحتياط فإطلاق العنان بالنحو المذكور لا يجتمع مع رعاية الأحكام الإلزامية المقتضية للاحتياط واما إذا لم تكن الإباحة مقتضية لذلك إلّا بالنسبة إلى الالزامات الصادرة من الله سبحانه وتعالى فلا منافاة بين رعاية الإباحة الواقعية ورعاية الأحكام الإلزامية فإنها تدل على عدم الإلزام وإطلاق العنان من ناحية خصوص الاوامر الصادرة من المولى فهذا الترخيص لا ينافي مع الضيق الحاصل من ناحية الإلزام العقلي الاحتياطي بالنسبة إلى الأحكام الإلزامية لأنا نقول : إنّ الإباحة على قسمين وكلاهما محتمل الوقوع في عرض واحد ومع احتمالهما في عرض واحد نحتمل أن يكون الإباحة المشكوكة من سنخ الإباحة الدالة على نفي الإلزام من جميع الجهات حتى الحكم العقلي بالاحتياط ومع هذا الاحتمال يكون التنافي بين الحكم العقلي برعاية عدم الإلزام من هذه الناحية وبين حكمه برعاية الإلزام من ناحية الأحكام الإلزامية موجود وعدم التنافي يتوقف على إثبات أن الإباحة المشكوكة من سنخ الإباحة الدالة على نفي الإلزام من ناحية خصوص الأوامر الصادرة من الشارع ولا دليل له كما لا يخفى. (١)
هذا مضافا إلى أنه لو كان نظرية حق الطاعة صحيحة لزم الاحتياط في جميع الموارد التي نحتمل فيها أنّ للمولى غرضا لزوميا ولو لم يأمر به وذلك لأن نظرية حق الطاعة ترجع في اللب إلى لزوم رعاية احترام المولى إذ لا خصوصية للفظة الطاعة الدالة على تحقق الأمر فلا يكون وجود الأمر ولو احتمالا شرطا للزوم هذا الاحترام وعليه فلا فرق بين رعاية احترام المولى في الأوامر المحتملة وبين رعاية احترامه في الأغراض اللزومية المحتملة مع أنه لم يلتزم به أحد بالنسبة إلى الأغراض المحتملة اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ عدم التكليف من
__________________
(١) راجع پژوهش هاي اصولي ١ : ٢٤ ـ ٢٥.