الكذب المخبريّين ولا ريب في أن الصدق المخبري هو القول الموافق للواقع بحسب اعتقاد المخبر إلّا أن الكلام في الكذب المخبري المقابل للصدق المخبري هل بينهما التقابل بالتضاد بنحو العدم والملكة بمعنى أن الكذب المخبري هو القول الذي يعتقد انه خلاف الواقع أو القول الذي لا يعتقد أنه ليس كذلك في الواقع والتحقيق أن التقابل بينهما بنحو العدم والملكة وهو المعبّر عنه في لسان الشرع بالقول بغير العلم فما لا علم له ولا حجة عليه يندرج الحكاية عنه في الكذب القبيح عقلا والمحرم شرعا ولا يختص قبح الكذب بصورة الإضرار عقلا كما لا اختصاص له شرعا.
وعليه فنشر الفضيلة التي لا حجة عليها وذكر المصيبة التي لا حجة عليها قبيح عقلا ومحرم شرعا فكيف يعمّها أخبار من بلغ سواء كان مفادها الإرشاد إلى حسن الانقياد أو إثبات الاستحباب نعم إذا قلنا بأن الأخبار المزبورة تثبت حجية الخبر الضعيف فلازمه اندراج الفضيلة والمصيبة فيما قامت الحجة عليه شرعا فيخرج عن نحت الكذب المخبري القبيح عقلا والمحرم شرعا. وحينئذ إن كان إجماع فهو كاشف عن هذا المعنى لا أنه تخصيص في حكم العقل والشرع فتدبر جيدا. (١)
ويمكن الجواب عنه بما أفاد شيخنا الاستاذ الأراكي قدسسره من أن نشر الفضيلة أو ذكر المصيبة يخرج عن تحت الكذب أيضا بعد قيام الحجة وهو أخبار من بلغ على ترغيب إلى النشر أو الذكر فمن أخبر بالفضيلة أو المصيبة أخبر بحجة شرعية وهي أخبار من بلغ والأخبار بالحجة الشرعية لا يكون كذبا انتهى.
وعليه فالنشر أو الذكر ولو مع عدم العلم بصحتهما مستند إلى الحجة الشرعية وهى أخبار من بلغ وهو قول بالعلم وليس بكذب هذا مضافا إلى أن قبح الكذب وحرمته اقتضائي ولذا يجوز الكذب بعروض مصلحة من المصالح المهمة كالإصلاح بين المؤمنين وعليه فلا مانع من أن يرفع اليد من قبح الكذب بسبب مصلحة أقوى من ذلك فتخصيص
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.