وثانيا : بأنّ لازم الاختصاص هو أن يكون القرآن لغزا أو معمّى مع أنّه ليس كذلك لأنّ القرآن نزل ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور وكانت الأعراب يفهمونه بمجرّد قراءة القرآن وتلاوته وأثّر في نفوسهم أشدّ التأثير.
والشّاهد على حجّيّة ظواهر الآيات هو إرجاع النّاس إلى الكتاب في غير واحد من الأخبار إذ لا يمكن ذلك بدون حجّيّة الظّهورات القرآنيّة.
ومنها الأخبار الدالّة على أنّ القرآن الكريم يحتوي على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية لا تكاد تصل إليها أيدي أفكار اولي الأنظار غير الرّاسخين العالمين بتأويله.
ومن تلك الأخبار ما رواه المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّه ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلّا من شاء الله وإنّما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والنّاطقين عن أمره وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم. (١)
ويمكن الجواب بأنّ اشتمال القرآن على المضامين العالية الغامضة واختصاص علمها بالرّاسخين في العلم ولزوم الرجوع اليهم في التفسير والتأويل لا ينافي وجود ظواهر فيه بالنّسبة إلى الأحكام وغيرها وحجّيّتها لغيرهم.
هذا مضافا إلى أنّ جعل تمام القرآن غامضا لا يساعد مع تصريح القرآن بكونه عربيّا مبينا بل دعوى إبهام تمام القرآن ينافي قول أبي جعفر عليهالسلام فمن زعم أنّ الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك. (٢)
وهكذا ينافي قول مولى الموحّدين في ضمن احتجاجه على زنديق : ثمّ إنّ الله قسّم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه
__________________
(١) الوسائل الباب : ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٣٨.
(٢) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٣٩.