من طرح أحدهما معيّنا للترجيح أو غير معيّن للتخيير ، ولا يقاس حالهما على حال مقطوعي الصدور في الالتجاء إلى الجمع بينهما ، كما أشرنا إلى دفع ذلك عند الكلام في أولويّة الجمع
____________________________________
توضيح ذلك على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه قد مرّ غير مرّة أنّ سند كلّ من المتعارضين مزاحم لدلالة الآخر ، وحينئذ فإن كان أحدهما المعيّن قرينة صارفة لظاهر الآخر ، كما في تعارض الظاهر مع النصّ ، والأوّل كقوله : أكرم العلماء والثاني كقوله : ولا تكرم النحاة. وكما في تعارض الظاهر مع الأظهر والثاني كقوله : يجب غسل الجمعة والأوّل كقوله : ينبغي غسل الجمعة ، فيكون دليل حجّيّة سند النصّ أو الأظهر حاكما على دليل حجّيّة ظهور الظاهر.
وأمّا إذا كان كلّ منهما يصلح لصرف الآخر عن ظاهره ، كما في قوله : اغتسل للجمعة وقوله : ينبغي غسل الجمعة ، وفي تعارض العامّين من وجه ، فحيث إنّ تعيّن أحدهما للقرينية يحتاج إلى دليل ثالث ، كقيام الإجماع على عدم وجوب غسل الجمعة ، فإنّه يعيّن قرينية قوله : «ينبغي» على إرادة الندب من قوله : اغتسل ، فحينئذ لا يكون دليل التعبّد بالسند في شيء منهما حاكما على دليل التعبّد بالظاهر في الآخر ، بل يلحق ذلك بالمتباينين كقوله : ثمن العذرة سحت (١) وقوله : لا بأس ببيع العذرة (٢) فيتوقف جمعهما على شاهدين ، كقيام الإجماع على جواز بيع العذرة الطاهرة وحرمة بيع العذرة النجسة.
ولا يقاس حالهما ، أي : ظنيّين على حال مقطوعي الصدور في الالتجاء إلى الجمع بينهما.
لأن القطع بالصدور في كلّ واحد يصير قرينة على تأويل الآخر وصرفه على ظاهره ، فلا بدّ من الجمع بينهما بتأويل كليهما ، بخلاف الخبرين المظنوني الصدور ، فإنّه لا وجه للجمع بينهما بالبناء على صدورهما لتكون النتيجة الإجمال ، بل الاولى طرح أحدهما معيّنا للترجيح أو غير معيّن للتخيير ، كما في التنكابني. وفي شرح الاعتمادي أنّه لو علم
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨٠. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٢. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ١.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٩. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨١ ، ١٨٣. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ٢ ، ح ٣.