وأمّا تقديم بعض أفراد التخصيص على بعض ، فقد يكون بقوّة عموم أحد العامّين على الآخر ، إمّا لنفسه ، كتقديم الجمع المحلّى باللّام على المفرد المعرّف ونحو ذلك ، وإمّا بملاحظة المقام ، فإنّ العامّ المسوق لبيان الضابط أقوى من غيره ونحو ذلك ، وقد يكون لقرب أحد التخصيصين وبعد الآخر ، كما يقال : إنّ تخصيص الأقلّ أفرادا مقدّم على غيره ،
____________________________________
ومثال تعارض الدليلين من باب الفرض ما إذا قيل : اجلس يوم الجمعة وقيل أيضا : لا يجب جلوس يوم الجمعة ، فيحصل الجمع بينهما بحمل الأمر في الأوّل على الندب وبحمل الجمعة في الثاني على البعض ، كما بعد الزوال مثلا ، وحيث إنّ استعمال الأمر في الندب مجاز شائع بخلاف استعمال الكلّ في الجزء ، فيكون ظهور الجمعة في معناها الحقيقي ـ أعني : تمام الجمعة ـ أقوى من ظهور الأمر في الوجوب ، فيؤخذ بظاهر قوله : لا يجب جلوس يوم الجمعة ، ويحمل قوله : اجلس ... إلى آخره على الندب.
ومثال تقديم بعض أفراد التخصيص على بعض لقوة أحد العامّين على الآخر بنفسه ، مثل ما إذا ورد أكرم العلماء وورد أيضا ويستحبّ إكرام الشاعر ، فإنّه يؤخذ بظاهر الأوّل ويخصّص الثاني بالشاعر غير العالم ، والوجه فيه أنّ العموم المستفاد من الأوّل يكون بالوضع ، ومن الثاني يكون بدليل الحكمة ، فدلالته على العموم موقوفة على عدم بيان القيد ، وقوله : أكرم العلماء بيان له ، فيكون ظاهر الأوّل واردا على ظاهر الثاني. ونحو ذلك ، كتقديم المسور بالكل على المفرد المعرّف.
ومثال العامّ المسوق لبيان الضابط ، كقوله : من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، فيقدّم على قوله : لا يضمن المستعير إلّا أن يشترط عليه المعير ، فإنّ الأوّل لكونه في مقام بيان ضرب القاعدة أقوى ظهورا من الثاني الوارد لبيان حكم فرعي في مورد خاصّ ، فيحمل الثاني على غير صورة الإتلاف وهو التلف.
ونحو ذلك ، كالعامّ الوارد في مقام الامتنان فإنه مقدّم على غيره ، نظير قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(٢) الآية ، فإنّه يؤخذ بعموم الأوّل الوارد في مقام الامتنان ويحمل الثاني على غير صورة الحرج.
__________________
(١) الحج : ٧٨.
(٢) البقرة : ١٨٣.