وأصرح من ذلك كلّه خبر أبي اسحاق الأرجاني قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : (أ تدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامّة؟) ، فقلت : لا أدري ، فقال : (إنّ عليّا صلوات الله عليه لم يكن يدين الله بشيء إلّا خالف عليه العامّة ، إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألونه ، صلوات الله عليه ، عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدّا من عندهم ، ليلبسوا على الناس) (١).
الثالث : حسن مجرّد المخالفة لهم ، فمرجع هذا المرجّح ليس الأقربيّة إلى الواقع ، بل هو نظير ترجيح دليل الحرمة على الوجوب ، ودليل الحكم الأسهل على غيره.
____________________________________
قال : قلت للرضا عليهالسلام : يحدث الأمر ، لا أجد بدّا من معرفته ، أي : لا مفرّ من معرفته للابتلاء به ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، فقال : (ايت فقيه البلد) الذي هو من علماء العامّة واستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه.
ولا يخفى أنّ هذا الجواب إنّما يجدي للسائل في صورة تردّده بين الأمرين ، كغسل البول مرّة أو مرّتين ، فإذا أفتى بالمرّة أخذ خلافها ، أي : المرّتان وبالعكس لا في صورة تردّده بين امور ، كغسله مرّة أو مرّتين أو مرّات ، لأنه إذا أفتى بالمرّة مثلا تردّد خلافه بين المرّتين والمرات فيبقى التحيّر ، ولمّا كان الغالب التردّد بين الأمرين علّمه الإمام عليهالسلام هذا الطريق وقنع به السائل.
وأصرح من ذلك كلّه في الدلالة على حقّيّة خلافهم الشامل لصورة تعارض الخبرين خبر أبي اسحاق الأرجاني ... إلى آخره.
حيث بيّن الإمام عليهالسلام فيه سبب الأخذ بما هو على خلاف العامّة من المتعارضين ، كما مبيّن في المتن.
الثالث : حسن مجرّد المخالفة لهم ، بأن يريد الشارع مخالفتهم تعبّدا لأقربيّة خلافهم إلى الحقّ.
فمرجع هذا المرجّح ليس الأقربيّة إلى الواقع ، بل هو مرجّح خارجيّ تعبّدي ؛ لأن المخالفة ـ حينئذ ـ دليل مستقل ، نظير أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة في ترجيح دليل الحرمة على الوجوب ، كما أشار إليه بقوله :
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٢٤٩ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٤.